مؤمن بسيسو
ما الذي يملك كيان الاحتلال فعله عسكريا تجاه غزة خلال المرحلة المقبلة؟!
ما بين فترة وأخرى تنشط التهديدات (الإسرائيلية) الصادرة عن مستويات رفيعة في جيش الاحتلال حول شنّ حرب أو توجيه ضربة عسكرية كبرى لقطاع غزة، وتحاول رسم صورة مهولة للقدرات العسكرية التي تملكها غزة وفصائلها المقاومة بما يؤثر على ميزان التسلح وقوة الردع التي حرص الاحتلال على تكريسها طيلة المراحل الزمنية الماضية.
الملاحظة الجديرة بالانتباه أن التهديدات (الإسرائيلية) تنطلق أحيانا بغير دواعٍ أو مبررات ميدانية، وتخترق حُجُب حالة الهدوء والاستقرار النسبي التي تعقب موجات التصعيد المتفرقة، ما يعني أن الأمر لا يتعلق بتهديدات مرتبطة بتطورات الوضع الميداني بقدر ما يرتبط بأجندة خاصة ذات أبعاد سياسية وعسكرية واستراتيجية.
من المعلوم أن كيان الاحتلال يعمل وفق رؤية منهجية وعمل مؤسسي، ولا يترك مجالا للصدفة أو الانسياق وراء ردود الأفعال في كثير من الأحيان.
وحين يدور الحديث عن غزة فإنه يدور عن بقعة جغرافية محدودة للغاية شكلت شوكة حادة في حلق الاحتلال وطعنة نجلاء في خاصرته على الدوام، وعن مقاومة ذات بأس شديد تتقوى يوما بعد يوم، عددا وعدّة وإمكانات، وتستعد وتخطط لكل احتمالات وبدائل المرحلة المقبلة، ما استدعى دوما خططا وآليات عمل عسكرية (إسرائيلية) جاهزة للتعامل مع المقاومة الفلسطينية التي رأى قادة الاحتلال في تسلحها وإمكاناتها المتزايدة تهديدا استراتيجيا يخلّ بميزان القوة والردع في المستقبل.
لذا، تحتوي أدرج مكاتب وزارة الدفاع (الإسرائيلية) على مخططات عسكرية، جاهزة ومتكاملة، للتعامل مع قطاع غزة، بدءا من مخطط الاجتياح الكامل، مرورا بالعمليات الواسعة والضربات الكبرى، وليس آخرا العمليات المحدودة والضربات الموضعية.
لكن الحسابات العسكرية لا تشكل المحدد الأساس في قرار الاستهداف والعدوان، فأي قرار عسكري هام يبقى رهينة الضوء الأخضر الذي ينبغي تحصيله من المستوى السياسي (الإسرائيلي) الذي يبني حساباته وتقديرات مواقفه على أسس وقواعد ومحددات شاملة خلافا لحسابات المستوى العسكري التي تبقى حبيسة المعطى العسكري والميداني.
من هنا يجوز لنا القول أن تهديدات قادة الاحتلال العسكريين في الآونة الأخيرة حول ضرب واستهداف غزة تحاكي أمنيات المستوى العسكري (الإسرائيلي) الذي يلحّ على إنجاز مهمة ضرب غزة قبل تغير المعطيات والوقائع الإقليمية استراتيجيا لصالح الإسلاميين، وتنسجم مع رغبة الكثير من القيادات العسكرية التي دفعت، ولا زالت، حكومات الاحتلال المتعاقبة نحو التصعيد وتوسيع دائرة العدوان مع غزة ومقاومتها الباسلة وأهلها الصامدين.
مشكلة القيادات العسكرية (الإسرائيلية) أن الحسابات السياسية لحكومة نتنياهو لا تسير في بعض أو كثير من الأحيان حسب ما تشتهي، إذ أن متغيرات الوضع الإقليمي التي أطاحت بالعديد من النظم العربية الأكثر موالاة لـ (إسرائيل)، وخشية حكومة الاحتلال من ردّة الفعل العربية الشعبية جراء أي عدوان واسع أو شامل على غزة، فضلا عن مناخات العزلة السياسية الدولية المتزايدة التي تواجهها (إسرائيل)، تقف كمحددات أساسية وتنتصب كعقبة كأداء في وجه أي محاولة (إسرائيلية) لتنفيذ عمل عسكري كبير ضد غزة في المرحلة الراهنة.
قد تخرج (إسرائيل) عن إطار سياستها المعتمدة حاليا مع غزة، وتُقدم على توجيه ضربات واسعة للمقاومة في إحدى ثلاث حالات، أولاها تفجُّر موجة تصعيد وإطلاق صواريخ من غزة بشكل لا يحتمل في إطار أي مواجهة أو احتكاكات ميدانية، وثانيها الإخلال بقواعد اللعبة وتجاوز الخطوط الحمراء القصوى إسرائيليا من قبيل إطلاق صواريخ على مناطق العمق (الإسرائيلي) ك(تل أبيب) وغيرها، وثالثها حال إقدامها على توجيه ضربة عسكرية إلى إيران.
وفي كل الأحوال، فإن الخطط العسكرية (الإسرائيلية) تضع في حسبانها الاعتماد على سلاح الجو بشكل رئيسي، وتنفيذ الضربات بشكل سريع ومركز في غضون فترة زمنية تقدر بثلاثة أيام، وأقصاها خمسة أيام، رغبة في تقليل التداعيات الناجمة عن عدوانها إلى حدها الأدنى.
ما يهمنا فلسطينيا أن نفطن إلى مخططات الاحتلال، ونسدّ كل مدخل باتجاه أي ذريعة يمكن أن يوظفها الاحتلال لتنفيذ مآربه العدوانية، وأن نحرص على عدم الوقوع في فخ الاستدراج الميداني تحت أي سبب أو ظرف كان في هذه المرحلة الحساسة، ونبقى دوما على أهبة الاستعداد وأتم الجاهزية للتعامل مع أي طارئ ومواجهة كل الاحتمالات.