مؤمن بسيسو
ألقت دعوة الأخ إسماعيل هنية حول ضرورة الوحدة والاندماج بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي حجرا كبيرا في بحر المياه الراكدة في إطار العلاقة القائمة بين الحركتين.
وتكتسب دعوة هنية الأخيرة أهمية خاصة بحكم المتغيرات المحلية والإقليمية التي غيرت كثيرا من المعادلات الراهنة، ومنحت المشروع السياسي الإسلامي في المنطقة العربية حظوة التصدّر والريادة خلال المرحلة المقبلة.
وأيا كانت التقديرات بخصوص فرص نجاح مبادرة هنية فقد راودت حلما بعيدا ولامست طموحا أصيلا لدى الكثيرين من أنصار المشروع الإسلامي الذين يتوقون لتوحيد الجهد الإسلامي المقاوم على أرض فلسطين.
اليوم، تقفز إلى الواجهة العديد من أسباب وموجبات التوحد والاندماج التي كانت غائبة عن مشهد العلاقة بين الحركتين في الماضي، وذلك على النحو التالي:
أولا: صعود الحركات الإسلامية عربيا:
أسهم صعود الإسلام السياسي في عديد البلدان العربية، وخصوصا في مصر التي حقق فيها الإسلاميون نجاحات انتخابية كبرى، في إعادة طرح عناوين التحالف السياسي والوحدة التنظيمية بين مكونات الحالة الإسلامية الفلسطينية التي تضم في إطارها الرئيس حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
وشكل صعود الإسلاميين عربيا تغييرا في معادلات الواقع القائم التي سادت طيلة العقود الماضية، فللمرة الأولى تخترق الحركات الإسلامية جُدُر العزل والقمع التي حرمتها حق التعبير عن إرادة شعوبها، ويصل بعضها إلى تولي مقاليد الحكم والسلطة، مع ما يعنيه ذلك من تحولات ذات صبغة تاريخية تنقلب على كل مخلفات وموروثات المرحلة السابقة، وتهيئ لمرحة جديدة وواعدة في حياة الأمة وشعوبها.
وغني عن القول أن المشروع الإسلامي يقف على محك الاختبار العملي خلال المرحلة المقبلة في إطار تجربته الحاكمة التي يخوضها للمرة الأولى في عصر الحرية والديمقراطية الذي ولّده الربيع العربي الثائر، ما يحتم على الحركات الإسلامية المختلفة التعاضد والتكاتف وإبداء أقصى درجات التعاون المشترك في سبيل إنجاح المشروع السياسي الإسلامي الحاكم الذي يعود نجاحا أو فشلا، وبدرجة لا يمكن تجاهلها، على مختلف أطراف الحركة الإسلامية في المنطقة العربية رغم تباينات وخصوصيات البيئات الجغرافية العربية.
كل ذلك، يجعل من فكرة وطرح الوحدة بين طرفي الحركة الإسلامية الفلسطينية الأساسيين أولوية هامة تحاكي تطورات وإفرازات الربيع العربي، وترتقي بالعمل الإسلامي الفلسطيني إلى مستوى التحديات الكبرى التي تفرضها المرحلة القادمة.
ثانيا: الإقلاع بمنظمة التحرير لإنقاذ الوطن والقضية:
لا يخفى أن حماس والجهاد تعولان على إعادة صياغة منظمة التحرير الفلسطينية كي تتولى قيادة المشروع الوطني الفلسطيني خلال المرحلة المقبلة.
وتدرك الحركتان أن الرئيس محمود عباس، ومن ورائه حركة فتح، مضطر لرفع "الفيتو" عن انخراط ومشاركة الحركتين في المنظمة في ظل اتفاق المصالحة الذي يقضي بإجراء انتخابات متزامنة، رئاسية وتشريعية وأخرى للمجلس الوطني الذي تنبثق عنه اللجنة التنفيذية للمنظمة، خلال العام الجاري.
تبعا لذلك، تسعى الحركتان لاستثمار الانخراط المتوقع في المنظمة التي تحظى بشرعية التمثيل الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج لجهة إعادة بنائها وترتيب أوراقها من جديد، سياسيا وإداريا، بما يخدم نهج المقاومة ومشروع التحرير الذي تعتبره الحركتان أساس إنقاذ الوطن والقضية الفلسطينية من حال الضياع الذي يتقاذفها بفعل ارتهانها الزمن لمشروع التسوية والمفاوضات الذي أودى بالقضية في متاهات بلا حدود طيلة العقدين الماضيين.
ومن البديهي أن الرهان على الإقلاع بمنظمة التحرير عبر إعادة بنائها سياسيا وإداريا يرتبط أساسا بمدى قدرة الحركتين على العمل بشكل موحد وحقيقي لتحقيق الانطلاقة المرجوة وإحداث التغيير المنشود.
ثالثا: النضوج الفكري والسياسي:
لا يختلف اثنان أن مستوى الوعي الفكري والسياسي لكلا الحركتين قد بلغ مستويات رفيعة في الفترة الأخيرة خلافا لما كان عليه الحال السائد في مراحل سابقة تميزت بالتقوقع في إطار الذات، والتوجس الدائم من الآخر، والعقم الفكري والسياسي الذي سدّ منافذ الفهم واللقاء والتعاون المشترك.
نضج الحركتين أضحى بائنا في هذه المرحلة، ويبدو أن دروس وتجارب المراحل الماضية، بما لها وما عليها، قد فعلت فعلها وتركت أثرها في خلفية التفكير السياسي والوطني للحركتين، وجعلت مواقفهما أكثر مرونة واقترابا من أي وقت مضى، ومنحتهما الأرضية المواتية للبحث في شأن إرساء الوحدة التنظيمية بينهما.
وللحديث بقية.