قائمة الموقع

مقال: حماس والجهاد.. موجبات الوحدة ومسببات الافتراق (2-2)

2012-01-30T09:54:05+02:00

مؤمن بسيسو                         

وصلا لما سبق، وحيث أن التحديات التي يفرضها صعود الإسلاميين عربيا، وضرورات الإقلاع بمنظمة التحرير خلال المرحلة المقبلة، والنضج الفكري والسياسي، تشكل الموجبات الأساسية التي حركت أطروحات الوحدة والتلاقي بين حركتي حماس والجهاد، فإن تفحّص مسار وطبيعة العلاقة القائمة بين الحركتين يشي في الوقت ذاته بوجود فجوة ذات رؤوس ثلاث تبدو عصية على الردم، وتعترض نقل وتطوير العلاقة والمواقف إلى آفاق أبعد وأرحب بين الحركتين، وذلك على النحو التالي:

أولا: إشكاليات الموقف السياسي:

يشكل الموقف السياسي من السلطة والانتخابات نقطة اختلاف وافتراق جوهرية بين الحركتين، إذ ترفض حركة الجهاد الانخراط في أجهزة ومؤسسات السلطة الفلسطينية أو المشاركة في الانتخابات التشريعية بحجة خضوعها تحت سقف ومظلة اتفاق أوسلو، فيما تؤكد حماس أن دخولها منظومة العمل السلطوي من بوابة الانتخابات لا يرتبط بأوسلو، ويهدف أساسا إلى محاربته وإضفاء الشرعية على المقاومة وحمايتها.

ولا يبدو أن أيا من الحركتين في وارد التراجع عن موقفهما السياسي المعروف خلال المرحلة المقبلة في ظل استمرار تمسك حماس بالمشاركة في الحكم والسلطة، ما يعني تباعد إمكانيات التلاقي والاندماج في بوتقة واحدة مستقبلا.   

ثانيا: خشية الذوبان التنظيمي:

من المعلوم أن الجسم التنظيمي الأصغر يخشى دوما الوحدة والاندماج في الجسم التنظيمي الأكبر خشية التماهي والذوبان، وها هنا فإن حركة الجهاد ليست في وارد التضحية بجسمها التنظيمي الذي شيدته طيلة العقود الثلاثة الماضية، وتخشى وتتحسب تماما حيال أي انسياق تجاه أطروحات الوحدة الكاملة مع حماس.

وبالرغم من أن حركة الجهاد امتدت وتشعبت وكَبُر جسمها وهيكلها التنظيمي كثيرا قياسا بمرحلة البدايات إلا أن توسع حركة حماس، بشريا ومؤسساتيا، يجعل الجهاد أكثر خشية وأقل تعاطيا مع مبادرات الاندماج المؤسسي الذي تعتبره الحركة قفزة في الهواء تصب في صالح حماس.

ثالثا: الإرث النفسي الطويل:

من الصعب إلغاء أو كشط الإرث النفسي الطويل المبني على ثلاثة عقود من التنافس الوطني سياسيا وميدانيا بين الحركتين، وخصوصا بين قواعد الحركتين الأكثر احتكاكا في ميادين التنافس اليومية.

لقد أفرزت الأوضاع الفلسطينية الداخلية في ظل الانتفاضتين (1987 ، 2000) حالة غير مستوية من التنافس الميداني بين الحركتين الذي وجد انعكاساته على خطابهما السياسي والإعلامي في العديد من الأحيان، دون استدعاء معالجات جذرية كافية لتقنين التنافس إلى حده الأدنى تمهيدا للبدء في إزالة رواسبه السلبية وتكلساته الضارة.

وهكذا، فإن الإرث النفسي الطويل والمعقد الذي خيم على قواعد الحركتين يلعب دورا كبيرا في إحباط جهود الوحدة والاندماج بينهما.

بإمكان الحركتين الحديث أمام وسائل الإعلام عن حوارات معمقة حول فكرة الوحدة والاندماج، وتصدير تصريحات صحفية ترحب بالفكرة وتعِدُ بدراستها، لكن الشعار السياسي والإعلامي شيء، وحقيقة الموقف والممارسة شيء آخر تماما.

ومن هنا فإن فرص نجاح مبادرة الوحدة والاندماج الكامل تبقى ضعيفة تماما كون واقع العلاقة الراهن بين الحركتين يقطع بأن العوائق ومسببات الافتراق أكثر قوة وصخبا من موجبات التوحد والاندماج.

من السهل الحديث عن تباينات سياسية وخلافات تنظيمية وإرث نفسي في إطار العلاقة بين الطرفين، واستحضار ذلك كعقبة في وجه تجسير الخلافات وتطوير العلاقات، لكن تلك الإشكاليات تبدو كنقطة صغيرة في بحر المخاطر والتحديات التي تستهدف الوجود الإسلامي المقاوم في فلسطين بشكل عام.

لذا، فإن البديل الموضوعي لتعثر أطروحة الوحدة والاندماج الكامل، والذي يشكل الحد الأدنى وأقل القليل، أن ترتقي العلاقات البينية بين الطرفين إلى علاقات تحالف استراتيجية من الطراز الأول مبنية على عهد الدم والعقيدة وفق قاعدة "دمي دمك ودمك دمي"، وتطوير وتعميق آليات التعاون والتنسيق المشترك بينهما، والشروع في بناء جبهة سياسية إسلامية مشتركة تُصدّر رؤية موحدة تجمع الحركتين وتعينهما على مواجهة نوائب وتحديات المرحلة المقبلة.

 

 

اخبار ذات صلة