ذرائعهم واهية

كيف تسربت المخدرات إلى "الجيل الناشئ " ؟

كيف تسربت المخدرات إلى "عماد المستقبل"؟

شباب في العشرينات مدمنون عليها ودراسة لقوانين رادعة

المكافحة: سببه غياب الوازع الديني والأخلاقي والافتقار للتقديرات المستقبلية

النيابة العامة: هناك غايات لإضعاف الحالة الوطنية عبر إغراق غزة بها

المستشار المدهون: توجه لدى النواب بإيقاع أقصى العقوبات بحق المتاجرين

 

 

غزة- فادي الحسني

يقضي العشريني "س" طوال وقته مترنحا على سريره، بعد أن جلب العار لأسرته-كما يقول- ولا سبيل لديه اليوم إلا الحبس بين جدران البيت.

ويعض الشاب "س" على يديه ندما على ما فعل، لكنه يقول "ماذا ينفع الندم بعد أن أصبحت في عيون الناس مدمناً(..) الجميع سينبذني، لذلك أفضل المكوث في البيت، والبعد عن أصدقاء تسببوا في تدمير مستقبلي".

ووقع "س" فريسة لرفقاء سوء جعلوا منه مدمنا على المخدرات، لكنه سرعان ما وقع في فخ جهاز المكافحة، وسجن على اثر تعاطيه، كما دفع غرامة مالية.

وروى الشاب حكاية وقوعه في هذا الفخ، بعد تردد واشترط عدم ذكر أية تفاصيل عن شخصيته، وقال بعيون ملؤها الندم:"في البداية حاول بعض الأصدقاء إعطائي عقار الترامال بحجة انه ينسي الهموم ويذهب العقل بعيدا عن مشاكل غزة.. وبعد أيام دفعني لارتشاف نفس من سيجارة حشيش لكنني رفضت إلا أنه كان ينفث دخانا في وجهي جعلني اشعر بدوار".

يضيف "س" تكررت هذه العملية معي، فوجدت نفسي اطلب من صديقي رشفة ثم سيجارة ثم انتهى بي الحال إلى أن أصبحت مدمنا(..) وبعد أن جرى ضبطي سجنت، وها أنا اليوم بلا مستقبل".

وما يثير الغرابة أن "س" واحد من بين شباب كثيرين يتعاطون ويتاجرون بالمخدرات، مما يدفع للتساؤل : كيف تسربت المخدرات إلى جيل الشباب؟، ومن المسؤول عن تدهور الحالة الأخلاقية لديهم؟ وإلى أي حد تحارب المكافحة هذه الظاهرة؟ وهل العقوبة كافية لكبح جماح المدمنين؟

يخشون زلة لسان

الالتقاء بمتعاطي المخدرات ومروجيها ليس بالأمر السهل، لاسيما أنهم لا يمنحون الأمان لأحد خارج إطار دوائرهم الضيقة، لذلك تحفظ الشباب المتعافين من الإدمان والذين التقت بهم "الرسالة" على الكثير من المعلومات، خشية من زلة لسان قد تؤدي بمدمنين ومروجين آخرين إلى السجن، ورفضوا كذلك الكشف عن أسمائهم أو حتى ألقابهم.

في حين أن بعض المدمنين فضلوا الحديث عن تجاربهم، من باب نصح وإرشاد الشباب بعدم الوقوع في وحل المخدرات، في وقت برروا فيه تعاطيهم الرغبة في كسب المال، بينما أرجع آخرون إدمانهم للمشاكل العائلية.

ووجد الشاب "أ" نفسه مضطرا-كما يقول-للمتاجرة بالمخدرات، ليوفر قوت يومه وثمن "مزاجه"، في ضوء فقدان فرص العمل والبطالة المستشرية في القطاع.

وقال"أ" بلهجته العامية :"ملعون أبو الكيف(..) الكيف غالي"، ثم يؤكد أن تجارة الحشيش تحقق مكاسب عالية بالنسبة لهم، الأمر الذي يدفعهم للترويج لها ولكن بحذر شديد خوفا من وقوعهم في أيدي المكافحة.

ويستبعد "أ" في الثالثة والعشرين من عمره، ترك تجارة المخدرات في الوقت الحالي،  متذرعاً بضيق الأحوال المادية، والمشاكل العائلية.وعلى الرغم من أن الشاب لا يبدو نادما على ما اقترفت يداه، لكنه يحذر الشباب من الوقوع في هذا المستنقع القذر، على حد تعبيره.

بيد أن الطالب الجامعي "م" يؤكد أن المشاكل الأسرية والعاطفية، هي التي أدت به إلى تعاطي المخدرات، ويزعم أنه لا ينفق على تعاطيها "فلساً" واحداً.

وقال "م" اضطررت لبيع الحشيش حتى لا يكلفني مزاجي أية نفقات(..) بمسك دماغ طول الوقت لان بيعي للفرش الواحد يحقق من المال الشيء الكثير.. يعني من الآخر بطلع مزاجي ببلاش على كيس الناس، وفي نفس الوقت بنسى همومي".

ويجمع المتعاطون على أن جلب المخدرات يتم عبر أنفاق التهريب الواقعة أسفل الحدود الفلسطينية المصرية، مع تأكيدهم على أن عملية التهريب تتم في أجواء بالغة الخطورة نظرا للملاحقة المكثفة التي تتبعها مكافحة المخدرات في غزة.

وما يزيد الأمر تعقيدا أن الأمر لا يقتصر على التعاطي أو الترويج البسيط، خاصة أن بعض هؤلاء الشباب هم من كبار التجار، وذلك باعتراف مكافحة المخدرات في قطاع غزة.

ويرجع المقدم جميل الدهشان مدير المكافحة، تعاطي الشباب في سن مبكر للمخدرات، لأسباب عدة أبرزها: محاولة تحقيق الثراء الفاحش، وعدم وجود وازع ديني وأخلاقي لديهم وافتقارهم للتقديرات المستقبلية.

وقال الدهشان :"للأسف نجد أحيانا شبابا في مقتبل العمر من كبار تجار المخدرات، وعند ضبطهم يصطدمون بالواقع المرير (..) هناك ضبطيات كثيرة حصلت لتجار لا تتجاوز أعمارهم اثنين وعشرين عاما".

حب استطلاع

ويرى أن هذا السن حرج جدا، لاسيما أن من أدمنوا من الشباب كان الأمر بالنسبة لهم حب استطلاع ومن ثم وقع في وحل الإدمان، وقال:"نسبة المتعاطين والمتاجرين في المخدرات من الشباب، ليست بسيطة".

ويضيف الدهشان: "الحد من هذه الظاهرة ليس مسؤولية المكافحة وحدها وإنما مسوؤلية مجتمع بأكمله(..) مطلوب أن يكون هناك إرشاد من قبل الأهل".

ووصف الدهشان وقوع الشباب في وحل التعاطي والترويج للمخدرات، بالمؤشر الخطير، مع تأكيده على أن الاحتلال هو من تسبب في الترويج لهذه الظاهرة ودعمها عبر حدوده مع قطاع غزة ومصر.

بينما يرجع النائب العام محمد عابد ازدياد التوقيفات بشأن متعاطي المخدرات والمتاجرين فيها، لسببين هما: وجود حالة شرطية متقدمة ومتابعة وكاشفة لحالات المخدرات، بالإضافة إلى محاولة إضعاف الحالة الوطنية.

وقال عابد : "كثرة التوقيفات لمتعاطي المخدرات أو المتاجرين بها يحمل أكثر من تحليل، يمكن أخذها على أساس المنطقة التي يتم دخول المخدرات منها وهي المنطقة الشرقية لرفح المتاخمة للحدود مع مصر و"إسرائيل"، إضافة إلى أن هناك غايات لإضعاف الحالة الوطنية من خلال إغراق غزة بالمخدرات".

وفي الوقت الذي وجه فيه مدير المكافحة نقدا لغياب الرادع القانوني الذي يمكن من كبح جماح المدمنين والمروجين، قالت النيابة العامة أنها اتخذت قراراً يقضي بإلغاء الأمر العسكري الإسرائيلي رقم 437 لسنة 1972 الذي كان يحدد عقوبة جريمة المخدرات، واعتماد القانون المصري بدلا منه.

ويقول النائب عابد: "إن الأمر العسكري بشان العقاقير الخطرة يتضمن قوانين زمن الانتداب البريطاني, لا تغطي أنواعا كثيرة من تطور الجريمة الموجودة, وكذلك فان العقوبة ليست رادعة قياسا بما ورد في قانون المخدرات المصري رقم 19 لسنة 1962".

وأشار عابد إلى أن هذه الأفعال مجرمة في القانون المصري على خلاف القانون العسكري الإسرائيلي.

كبح جماح

وفي معرض رده على سؤال ما مدى صحة الحديث عن دراسة تطبيق حكم الإعدام ضد مهربي المخدرات، وذلك لكبح جماح هذه الظاهرة، أجاب : "العقوبات مقررة ومشروعة قانونا وطالما أن القضاء قرر العقوبات ومن ضمنها الإعدام واستوفت أوضاعها القانونية أمام درجات التقاضي، تكون أحكام القضاء واجبة النفاذ سواء كانت على خلفية جرائم المخدرات أو حتى القتل".

وتابع عابد قوله :"المواد التي تضمنها قانون المخدرات المصري شملت أكثر من شق للعقوبات خصوصا الاتجار والعودة للاتجار، ومن بينها الأشغال الشاقة والإعدام".

وبين عابد أن الحكومة أحسنت عندما استجابت لطلب النيابة العامة لإلغاء القرار العسكري الإسرائيلي والموافقة على العمل بالقانون المصري باعتباره قانونا عربيا وفيه من العقوبة الرادعة لهؤلاء المجرمين، مؤكدا أن هذا الأمر يأتي في إطار معالجة ومجابهة الجريمة، إلى حين إصدار تشريع فلسطيني.

وأكد النائب العام أنه بات على جدول أعمال المجلس التشريعي مراجعة قانون المخدرات المصري أو التعديل عليه أو إيجاد قانون فلسطيني جديد، مشيرا إلى أنهم سيلتزمون بما سيصدر عن التشريعي.

وفي تقدير الكثير فإن عدم وجود معمل جنائي في قطاع غزة، ساهم إلى حد كبير في تفاقم  الظاهرة على اعتبار أن المعمل الجنائي بإمكانه الكشف عن طبيعة ونوع المادة التي يجري ضبطها والتحقق منها.

ومع تأكيد د. نافذ المدهون المستشار القانوني في المجلس التشريعي على أن المعمل الجنائي ضرورة ملحة، لكنه قلل من أهميته بالنسبة لجرائم المخدرات، وقال:"إن قانون العقوبات رقم 36 شامل، وأصبح بالإمكان إثبات الجريمة، بالحيازة أو التحليل".

وقال المدهون:"بالإمكان إثبات الجريمة بأي طريقة من طرق الإثبات، فإما أن يكون المتعاطي مترنحا  أو سكرانا أو غير ذلك، ونستطيع أن نثبت متعاطيه بشهادة الشهود".

ومع أن المستشار القانوني رأى في قانون العقوبات المصري قانوناً شاملاً، لكنه قال: "نحن بحاجة لقانون عقوبات فلسطيني جديد، والقانون الموجود لا يكفي لمعالجة ظاهرة تعاطي المخدرات".

ولفت إلى أن الاحتلال كانت غايته الترويج للمخدرات وإغراق الأراضي الفلسطينية بها "لذلك لم يكن القانون الإسرائيلي رادعاً، وهذا ساهم في الترويج وزيادة انتشار المتعاطين والمتاجرين" كما قال.

وكشف المدهون عن أن المجلس التشريعي وضع قانون المخدرات على سلم أولوياته،  مؤكدا على أن هناك مشروع قانون فلسطيني رادع، لكن ما يعيق قراءته هو ازدحام أجندة المجلس بالتشريعات.

* يصعب الترافع

وأوضح المدهون انه صعب للمحامين الترافع في مثل هذه القضايا، مبينا أن هناك توجها لدى النواب أن تقع أقصى العقوبة وقد تصل حد الإعدام، لكن الفكرة لم تنضج بعد.

وأشار إلى أن الأمر يحتاج إلى دراسة معمقة، قائلا: "لا نريد أن نسجل على أنفسنا أننا اقررنا حكم إعدام، لان الأمر لا يزال يحتاج دراسة كافية، لكن هناك توجه بأن يكون حكم الإعدام بحق من ثبت تورطه ثلاث مرات".

وربما يكون إقرار قانون عقوبات فلسطيني جديد، رادع للتجار الذين احترفوا عمليات تهريب المخدرات، وذلك بإقرار المكافحة ذاتها.

وقال مدير المكافحة :"هناك وسائل متطورة وخبرات واسعة لدى التجار وكلما اكتشفنا وسيلة نلاحقها(..) هناك ضبطيات أخيرة كانت في ماتورات الكهرباء وعلب الاجبان، بالإضافة إلى أكياس الشيبس".

وشدد الدهشان على أن مراقبة الأنفاق الواقعة أقصى جنوب قطاع غزة مستمرة على مدار الساعة ، بالإضافة إلى انتشار المندوبين في كافة المناطق للكشف عن المتاجرين والمتعاطين.

وحتى وإن كان الخلل في قانون العقوبات كرادع أبرز في الحد من هذه الظاهرة، فإن للأسرة دور أكبر وأهم من أي رادع، لتحذير أبنائها من الوقوع في هذا المستنقع الخطر.

كما أن غياب الوازع الديني يعتبر سببا مهما في انحلال الشباب أخلاقيا، الأمر الذي يتطلب حملة توعوية تبدأ من المساجد والمدارس والجامعات والنوادي، وأخذ الأمر على محمل الجد لان هناك جيلا في مقتبل العمر يحطم مستقبله بيده دون وعي أو إدراك.

 

البث المباشر