د.عدنان أبو عامر
تواصل المؤسسة العسكرية (الإسرائيلية) مزاعمها بأن الأوضاع في قطاع غزة لا تبشر بخير من الناحيتين الأمنية والميدانية، وإذا ما تطلّب الأمر عملية "رصاص مسكوب2"، فستكون الضربة أكثر إيلاماً، ولذلك فإن ضباطها وجنودها يدركون الثمن الذي قد يُدفع من جرّاء عملية برية أخرى في القطاع، لكنهم واثقون أن الجيش سيثبت فيها النجاح، كما أن حركة حماس أيضاً استخلصت دروساً من الحرب السابقة.
لكن القاسم المشترك بين كل تلك المزاعم أن الجيش مستعد جيداً لعملية مشابهة كالتي حصلت قبل 3 سنوات، حتى لو كانت أكبر، رغم ما تصفها بـ"خيبة أمل" لدى مقاتلي الاحتياط من عدم التوغل داخل قطاع غزة، وهو ما عزز عندهم أهمية الاستعداد لعملية كبيرة في غزة، وفي حال بحث الجيش عن عامل محفز جديد لعملية كهذه، يمكن القول إن أي أمر ميداني قد يكون محفّزاً، قاصدة بذلك إطلاق قذائف صاروخية بعيدة المدى على بئر السبع وأسدود، واستقواء حماس بوسائل قتالية عصرية، والمقاتلين الخارجين من غزة عبر شبه جزيرة سيناء.
ويعني ذلك أنه في حال تطلّب الأمر توجيه ضربة عسكرية، فإنها ستؤلم حماس أكثر، وستكون ذات دلالة مهمة جدا، والجيش يعرف إيجاد حل لما قد يُطلب منه، بدءاً من نشاط صغير ومركّز، حتى السيناريو الأكثر تطرفاً.
في ذات السياق، تعتبر الأوساط العسكرية (الإسرائيلية) أن الجيش يعرف أن الاستعداد لعملية أخرى كبيرة في غزة لن تكون مقتصرة عليه فقط، ففي الأعوام الماضية خضعت حماس والجهاد الإسلامي لعملية استقواء وتأهيل مهمة جدا، وتعلمتا جيدا من الإيرانيين وكفاءات حزب الله، وقامتا بتطويرها في غزة خلال وقت وجيز، ومع ذلك، فإنهما لم يصلا بعد لمستواه وقدراته، معلنة أنه منذ عملية الرصاص المسكوب تتابع فرقة غزة في الجيش آخر إجراءات حماس والمنظمات الأخرى.
• الاستقواء والتأهيل
ومن هذه المتابعات الميدانية أنها تجري تحقيقا استخباراتيا مستقلا على مستوى عال جدا، في مجالات المضاد للدبابات، المنحني المسار والأنفاق، خاصة وأن حماس تقوم بعمل جدي على قدر كبير من الاستقواء، وبشكل خاص من الناحية العددية، والقوة البشرية، والتعاليم القتالية، وتشكيل وتنظيم الوسائل التسلحية، والتدريبات والبنى تحتية، إلى جانب تطويرها لتشكيل الوحدات القتالية، ومفهوم القيادة والسيطرة، واستثمرت الكثير في بناها التحتية تحت الأرض: كأنفاق التهريب، والتسلل، والأنفاق هجومية ودفاعية".
الأخطر من ذلك، كشف النقاب عن سيناريو يزعج قادة الجيش، ويتمثل بالخطف، لأن المنظمات الفلسطينية تحاول تنفيذه، وفي اللحظة التي أبرمت فيه صفقة التبادل، تحدثت عن عمليات خطف إضافية، ولم تنتظر الدفعة الثانية من الصفقة، أما من جانب الجيش، فهو يقوم بكل شيء للحيلولة دون حصوله، وكل الاستعدادات في الخطط مبنية اليوم بشكل مختلف، فالوعي مختلف، ومفهوم الدفاع يتعامل مع منطقة قطرها 360 درجة، وليس مع داخل غزة فقط.
وربما ما قد يشجع الجيش أكثر على المضي قدماً في العملية المذكورة اعتقاده أن حركة حماس تخشى من عملية واسعة، وبالتالي فهي مرتدعة جدا، لكن هذا لا يعني أنها لن تقوم بأي شيء في هذه الفترة، فقد أطلقت صاروخا مضادا للدبابات على حافلة أولاد، وقذائف صاروخية على أسدود وعسقلان.
لكن من جهتها أي أمر كهذا هو ردة فعل على عمل قد قام به الجيش، كإحباط حيوي لأسس تنفيذ عملية، وليس كل عمل يبدأ بشيء كبير، ورغم أن هذا الواقع من جولات التصعيد الموسمية هادئ نسبياً، لكنه يخلق شعوراً بالتذمر وسط الجنود المقاتلين الذين يحتّلون الخط المتقدم، ويريدون تنفيذ عمليات هجومية، وهذا وضع ناجع جدا، ما يعني أن يكون جميع الجنود والضباط من مستوى قائد الكتيبة حتى مستوى مقاتل منفرد من المبادرين والمهاجمين، ويعرفون كيفية توجيههم للعملية الصحيحة.
أخيراً، فإنه رغم الاستعدادات العسكرية (الإسرائيلية)، فإن الجيش يأخذ بالحسبان الثمن الذي قد يُدفع جراء عملية إضافية في القطاع، من جرحى وقتلى وسط القوات والجبهة الداخلية، هدم بنى تحتية، وتأثير العملية على روتين الحياة في الدولة، ما يؤكد وجود ميل (إسرائيلي) لتحقيق الانجازات الكبيرة بثمن زهيد، ودفع الثمن الأكثر دقّة من الناحية الممكنة، لأن متخذ القرارات ينبغي أن يكون واعياً لكل المعطيات الموجودة أمامه.