قائمة الموقع

مقال: صناعة الأمل

2012-02-21T08:46:22+02:00

مؤمن بسيسو

لا يستطيع أحد، فردا كان أم جماعة أم شعب، أن يحيا بدون أمل.

الأمل هو الباعث الأساس على استمرار الحياة، وبدونه فإن المرء يعيش زائدا على الحياة ويصبح عبئا عليها.

في حياتنا الفلسطينية لولا الأمل واستمرار التمسك به لما تمكن شعبنا من مواجهة الاحتلال والانتفاض في وجه آلته القمعية الإجرامية عدة مرات، ولما تجذّر في مدنه وقراه ومخيماته رغم أشكال الحرب والعدوان التي صُبّت عليه طيلة العقود الماضية، ولما نافح ملايين اللاجئين المشردين في الداخل والشتات عن حقهم في العودة رغم اختلال موازين القوى لصالح الاحتلال وسطوة الظروف التي يعيشونها هنا وهناك.

وعندما يهبط منسوب الأمل أو تبدأ منحنياته في التراجع والانحسار يُشرع لنا حينذاك أن نشعل الأضواء الحمراء، ونتحسس مواضع أقدامنا وبوصلة أهدافنا، ونراجع سلوكنا ومواقفنا قبل أن يغزونا الإحباط ويتسلل إلينا اليأس والقنوط الذي يستتبع موجة كبرى لا قبل لنا بها من الإشكاليات والأمراض الفكرية والنفسية والسلوكية.

لا يختلف أحد في أن الواقع الذي نعيشه صعب وقاس بكل المقاييس، وأن المعاناة التي تجثم على صدور الناس لا تحتمل، وتتفاقم أشكالها يوما بعد يوم، وأن أولى واجبات أولي الأمر البحث عن حلول جذرية لتخفيف حدة المعاناة، ومحاصرة ألوان الألم ومظاهر الضنك التي يعيشها أبناء شعبنا في قطاع غزة، والانتقال من دائرة إدارة الأزمة في بعدها التكتيكي إلى مستوى معالجة الأزمة في الإطار الاستراتيجي.

ومع ذلك ينبغي الانتباه إلى أمرين اثنين:

الأمر الأول، أن الانقسام الذي ضرب أطنابه في عمق حياة الفلسطينيين قد أورثنا مصائب ونكبات لا حصر لها، وأن فرصة المعالجة الجذرية لها في المدى المنظور تبدو غير واقعية ومفرطة في النرجسية والتوقعات الحالمة، وتتعاطى مع النظرية أكثر مما تتعاطى مع الواقع الصعب وتعقيداته المتشابكة.

أما الأمر الثاني، فيكمن في أن كثرة إظهار الألم والشكوى بعيدا عن استحضار ديناميات الأمل تساهم في تكريس الواقع السيئ الراهن، وتزيد من تعقيدات النفوس والمواقف، وتحرمنا من النظرة الموضوعية لحقائق الواقع ومنطق الأشياء، وتباعد بيننا وبين الاقتراب من المعالجة الرصينة والحل الهادئ الموزون.

في تفاصيل أزمة الكهرباء لغط كثير وأقاويل بلا حساب، وما يعنينا في هذا المقام ملاحظتان:

الملاحظة الأولى أن المواطن محقّ تماما في تظلمه وشكواه من انعكاس أزمة الكهرباء على حياته المعاشة، إلا أنه غير محقّ حين تتجاوز صرخته دائرة الشكوى إلى دائرة الاتهام الجزافي، وغير محقّ حين تنعزل صرخته عن قيم الصبر والصمود والأمل ويكسوها الإحباط والضجر من الألف إلى الياء.

أما الملاحظة الثانية فتتمحور حول المعالجة الخاطئة في سياق إدارة أولي الأمر لأزمة الكهرباء، فقد تم إغفال الدور الشعبي الجماهيري وضرورة تحشيد أوسع قطاعاته لجهة نصرة الموقف العام واستثمار آليات الضغط الكامنة فيه نحو تجسيد طرح أزمة الكهرباء ميدانيا بغية تفعيلها وإيجاد حل لها عربيا. 

كما تم تجاهل دور الإعلام بمفهومه الشمولي في سياق التعاطي مع الأزمة منذ البداية، والاقتصار على توظيفه في اللحظة الأخيرة، ما يجعل المردودات عكسية وسلبية بدلا من أن يتم شدّها إلى الاتجاه الإيجابي الذي يستهدف ضمان تعاون المواطنين أو استجلاب تفهّمهم على أقل تقدير.

ينبغي أن يدرك شعبنا أن مسيرته التحررية للانعتاق من نير الاحتلال لن تنقطع عنها سيوف المعاناة حتى تحقيق الاستقلال الناجز والحرية الكاملة، وأن أزمة الكهرباء تبقى أزمة ضمن منظومة الأزمات التي نعيشها، وستأخذ طريقها نحو الحلّ عما قريب، وستنتصب أزمة أخرى على الطريق، وهكذا دواليك، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

لن يصلح شأننا أو ينتظم مسارنا إلا باستحضار الأمل لشحذ الهمم وإيقاظ العزائم القادرة على تحدي الكروب والأزمات.

وإن صَعُب علينا استحضار الأمل فلنتولّ صناعته باقتدار، فإن صناعة الأمل كما صناعة الحياة وجهان لعملة واحدة.

اخبار ذات صلة