نواف الزرو
في المشهد السياسي الأمني (الإسرائيلي), نتابع في الآونة الأخيرة تصعيداً خطيراً في أدبياتهم الحربية الإرهابية ضد غزة ولبنان وإيران, كما نتابع تصعيداً خطيراً في إرهاب المستوطنين اليهود في القدس والضفة الغربية, وكأن هناك لديهم إجماع وتكامل فكري ثقافي سيكولوجي حول العنف والإرهاب, وكأن جينات الإرهاب لديهم تفرخ كل يوم المزيد من خلايا الإرهاب الذي يرتقي إلى مستوى التقديس.
وفي تقديس العنف والإرهاب نقرأ الكثير من الأدبيات التوراتية القديمة والسياسية الحديثة, التي تشرع لهم ممارسة شتى أشكال الإرهاب الدموي تحت تسمية "العنف المقدس ضد الأغيار".
فكثيرة هي نصوص "العهد القديم" التي تتحدث عن الحرب والقتل والتدمير والإبادة كأساس لأخلاقياتهم في التعامل مع "الأغيار" وهنا (الجبابرة) عرب فلسطين, وهي نصوص تحمل مضمون الوصايا والتوجيهات لما يجب أن يكون عليه سلوك الغزاة اليهود, حيث تحض على الحقد والكراهية والقتل والإبادة.
وترتقي نزعة العنف والقتل والإرهاب لديهم إلى مستوى فلسفي مع جابوتنسكي وتلاميذه من أمثال بيغن وشارون ونتنياهو وباراك وموفاز ويعلون وغيرهم, حيث جاء في أدبيات هؤلاء مثلاً: "إن قوة التقدم في التاريخ ليست للسلام بل للسيف" و"أنا أحارب إذن أنا موجود", و"أولاً وقبل كل شيء يجب أن نقوم بالهجوم عليهم - أي على العرب", و"لا يمكن الوثوق بالعربي بأي حال من الأحوال, وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة للتعامل معه هي قتله".
ولذلك لم تكن فتوى حاخامهم الكبير عوباديا يوسف حينما قال: "إن العرب يتكاثرون كالنمل وبالتالي فليذهبوا إلى الجحيم", و"تمنى للمستوطنين النصر على الفلسطينيين الأغيار المجرمين", ولم تكن مطالبة البرلماني الليكودي ميخائيل كلاينر مثلاً بـ "قصف المدن والقرى الفلسطينية وقتل عشرة آلاف فلسطيني دفعة واحدة, وقتل ألف فلسطيني مقابل كل يهودي يقتل إلا من صميم أدبياتهم وتراثهم الإرهابي/من رسالته إلى مؤتمر الكونغرس الصهيوني الـ 34".
وفي هذا السياق الإرهابي كذلك, كان الجنرال موفاز وزير الحرب الأسبق قد أطل علينا أيضاً معربداً: "إن غزة ستهتز وترتعد تحت وقع "أول الغيث", و"أن الزهار وهنية سيلحقان بالشيخ ياسين والرنتيسي", وخاطب ضباط وجنرالات الجيش موجهاً: "لا ترحموا أحداً من العرب لأن أمن (إسرائيل) فوق كل شيء /يديعوت", ثم ليأتي "آفي ايتام" المتشدد عن حزب "هئيحود هليؤومي" ليطالب بـ"قطع رؤوس الفلسطينيين وفي مقدمتهم قادة حماس", يضاف إلى ذلك سلسلة لا حصر لها من التهديدات والعربدات الحربية على لسان كبار جنرالات الجيش والسياسة في"(إسرائيل) " في سياق الحرب الأولمرتية - البيرتسية الراهنة ضد الشعب الفلسطيني... إلى أن وصلت فتواهم الدموية إلى مستوى تشريع "قتل الأطفال والأجنة الفلسطينيين حتى وهم في بطون أمهاتهم".
ما يبين لنا أننا أمام مجتمع إرهابي متعطش للدماء العربية وملوث بالعنصرية والنزعة الدموية الإجرامية, التي لخصتها لنا الباحثة النرويجية "آن كريستين" حينما أكدت في وقت مبكر من الانتفاضة: "أن أكثر من 70% من أفراد الجيش (الإسرائيلي) هم مجرمو حرب وفقاً للمعايير الدولية".
وهي الحقيقة الدامغة التي يؤكدها "د. يحيعام شورك" الكاتب والمؤرخ والمحاضر (الإسرائيلي) في"بيت بيرل" في دراسة حملت عنوان "جذور البلطجة والقوة في المجتمع (الإسرائيلي) حيث قال: "إن نزعة القوة في المجتمع (الإسرائيلي) ليست وليدة الأمس, فهي ترجع إلى زوايا الماضي المعتمة قبل تجسيد الفكرة الصهيونية", ويؤكد:
"لقد تجندت كتب التعليم من جهة وبرامج العمل من جهة أخرى لصالح تحسين وتنمية الـ"نحن" وتحطيم الـ"هم" أو شرعنة الـ "نحن" وشيطنة الـ "هم " (الفلسطينيون والعرب), ويختتم شورك بحثه مؤكداً: "إذا كانت الحال كذلك.. لماذا لا نفهم بذور البلطجة الكامنة داخلنا وبين ظهرانينا...?! وإذا أضفنا إلى كل ذلك تدخل الصهيونية الدينية في السياسة وهي التي تقدس العمل الصهيوني, فإن الأمر يعني تلقائياً إعطاء المبررات لكل عمليات سلب الأرض ومكان العمل وتسويغ كل عدوانية واستعلاء تجاه البيئة المحيطة / إن كانت فلسطينية أو عربية /... ألا يكفي ذلك...?!".
لذلك نتساءل باندهاش كبير:
لماذا تهافت العرب في ضوء كل ذلك إذن على التطبيع الشامل مع تلك الدولة ومع ذلك المجتمع الذي لا يرى فيهم سوى نمل وديدان يجب سحقها...?!
ثم أي "تسوية سياسية" سوية يمكن أن تقوم أذن مع هكذا مؤسسة سياسية - أمنية - عسكرتارية (إسرائيلية) مدججة بمثل تلك الأدبيات والفتاوى والتشريعات العنصرية الإرهابية الدموية, وبذلك الكم من مجرمي الحرب..?!
فلا يتوقعن أحد أن يخرج الجابوتنسكيون والشارونات الذين فرخهم الفكر والنهج الجابوتنسكي مثل باراك ونتنياهو وموفاز ويعلون وغيرهم من جلدهم وعن طبيعتهم... أو عن ذلك التراث الإرهابي الدموي وعن ذلك المجتمع العنصري الملوث بالنصوص التوراتية الإبادية.
صحيفة العرب اليوم الأردنية