قائمة الموقع

مقال: حين يشكو نتنياهو (الربيع العربي)

2012-02-23T09:25:10+02:00

خميس التوبي   

يشكو بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي ثورات "الربيع العربي" من أنها أصبحت عائقًا حقيقيًّا، وعقبةً كأداء أمام التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين.

هذه الشكوى نقلها نتنياهو إلى المؤتمر الثامن والثلاثين لرؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى في مدينة القدس المحتلة، حيث أنحى باللائمة على الظروف الأمنية الشديدة التي تحيط بالكيان الصهيوني والتي أوجدتها ثورات "الربيع العربي"، وأن حكومته اليمينية المتطرفة قد حذرت في العام الماضي من أن هذه الثورات في الشرق الأوسط يمكن أن تتمخض عن انتشار ما وصفه بـ"التطرف الإسلامي" وجرى اتهامها آنذاك بأنها متشائمة.

واضح أن نتنياهو أراد بهذه الكلمات أن يوظف ما يجري من اضطرابات واحتجاجات في عدد من الدول العربية في تبرير تعنته في الالتزام بالاتفاقات والمرجعيات السابقة وتنصله منها، وعدم الوفاء بما هو مطالب به من قبل اللجنة الرباعية الدولية، وهو تقديم رد مكتوب حول رؤية الكيان الصهيوني بشأن قضيتي الأمن والحدود، توطئة لاستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني الذي يشترط لاستئنافها الاعتراف بحدود عام 1967م ووقف الاستيطان، ولذلك أراد نتنياهو أن يحصل على دعم رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى بحيث تستخدم نفوذها داخل أماكن صنع القرار الأميركية بعدم ممارسة أي ضغط على حكومة الاحتلال من أجل الوفاء بأي استحقاق، لأن قادة الاحتلال الإسرائيلي هم مستعدون لأي اتفاقات قادمة يمكن التوصل إليها، لكن ما يمنعهم في الوقت الحالي وربما في المستقبل هذه الثورات التي جاءت بتيارات إسلامية "متشددة" إلى سدة الرئاسة، كما هو الحال في تونس والمغرب ومصر وقريبًا الجزائر، ومن المحتمل ـ كما يتوقع الإسرائيليون وحلفاؤهم - في سوريا.

أما رئيس أركان جيش الاحتلال الصهيوني بني جانتس فقد وصف "الربيع العربي" بأنه أصبح زوبعة في المنطقة، مضيفًا أمام طلبة يهود متطرفين "أن الأوضاع المحيطة بالكيان الصهيوني حاليًّا إعادته إلى الأوضاع التي كانت سائدة عام 1976م، وأن جاهزية دولية سياسية وجاهزية الكيان المحتل تسمح بمواجهة هذا التهديد". فهو بذلك يتفق تمامًا مع نتنياهو الذي قال إنه سوف يتعين على "إسرائيل" أن تستثمر المزيد للدفاع عن نفسها في أعقاب التغيير واسع النطاق الذي تشهده المنطقة .

إن هذين التصريحين والموقفين لنتنياهو وجانتس يناقضان ما يجري من ثورات أو ما يسمى "الربيع العربي"، بل إنهما يعكسان شعورًا إسرائيليًّا رافضًا لمبادئ السلام، ويعبران عن النظرة الإسرائيلية الحقيقية إلى الصراع العربي - الإسرائيلي وإلى عملية السلام برمتها، فالمزاج الإسرائيلي أساسًا لا يميل إلى خيار السلام، وإنما كل ما هنالك هو رغبة حقيقية في تصفية القضية الفلسطينية، وهذا يتضح من خلال:

أولًا: رفضه الاعتراف بحدود الرابع من يونيو عام 1967، ورفضه وقف سرطان الاستيطان الذي استشرى في الجسد الفلسطيني، في تمرد واضح على المطالب الدولية ورفض الوفاء بها، فقادة الاحتلال الإسرائيلي جل ما يهدفون إليه هو مفاوضات دون شروط، وهي مفاوضات عمرها يزيد الآن على ثمانية عشر عامًا، وفي كل مرة تنطلق يتبين أنها ذات حمل كاذب، لكن في جانبها الخفي أن الاحتلال يستغل عبثية المفاوضات في تغيير الوقائع على الأرض.

ثانيًا: اعتباره عودة المصالحة الفلسطينية وانتهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس خطًّا أحمر، فلم يتورع عن التلويح باستهداف الرئيس محمود عباس شخصيًّا ومحاصرته في المقاطعة برام الله ليلقى المصير ذاته الذي لقيه رفيق دربه الشهيد الراحل ياسر عرفات، وكذلك تخيير عباس بين "الكيان المحتل" وحركة حماس، وتارة بالامتناع عن دفع أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية؛ لأن المحتل الإسرائيلي يدرك أثر المصالحة على مشاريعه الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية.

وللأسف أن هناك من يتخندق مع المحتل بهدف إفشال المصالحة، فقد دخل على خط الإفشال الإطفائيون المتمثلون في اللجنة الرباعية الدولية بقيادة مبعوثها الخبيث توني بلير بأسلوب جديد اسمه "المفاوضات الاستكشافية" التي ساهمت فيها ورعتها دول عربية، لكن تبين أنها أيضًا ذات حمل كاذب.

إن منشأ ما ذهب إليه كل من نتنياهو وجانتس من أن ثورات "الربيع العربي" أوجدت ظروفًا أمنية صعبة وشديدة تحيط بالكيان الصهيوني المحتل، هو أن السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس اتسم موقفها بشيء من الصلابة وعدم الخنوع والخضوع، فلم يستطع الاحتلال وحلفاؤه فرض شروطه على القيادة الفلسطينية كما كان من قبل، وربما هذه الحسنة الوحيدة لما يسمى "الربيع العربي".

أما عدا ذلك فهو على العكس تمامًا، إذ باتت القضية الفلسطينية غائبة أو مغيبة عن جداول أعمال جامعة الدول العربية، ولم تكن حتى في ذيل القائمة؛ لأن دول "الربيع العربي" منها من لاتزال تلملم شتاتها وتلعق جراحها، ومنها من لا تزال تبحث عن مستقبلها، وبين هذه وتلك ينصب الموقف العربي الرسمي وينحصر، مادا يديه إلى الخارج لرسم مستقبل معمد بالدم لدول، في خطأ تاريخي بامتياز. ولذلك لا صحة لما يدعيه المسؤولون الإسرائيليون، وإنما هو لتأمين بقائهم في الخندق المعادي للسلام والرافض له.

صحيفة الوطن العمانية

 

 

اخبار ذات صلة