قائمة الموقع

مقال: لست مثلك ولن أكون

2012-03-03T10:59:37+02:00

مصطفى الصواف

كرهتك حتى الثمالة، شربت من خمر كأسك حتى غبت عن وعي حتى لا أراك، رغم علمي أن الخمر حرام، وغاصت قدماي في وحل مكرك حتى ابتلى جسدي النحيل بأدرانك، فلست مثلك، ولن أكون مهما أغريتني بلحن هواك.

هربت منك بأثقالي وأحمالي فالبحر جاري سأغسل به أدراني التي علقت بجسدي؛ ولكني بحاجة إلى صديق؛ فالعوم لا أجيده وأخشى الغرق بين أمواج تتهادى في شمس ساطعة بلا هواء يحرك أمواجه ، فجأة ظهر من قال لي المستحيلات ثلاث : الغول والعنقاء والخل الوفي، انتبهت وكادت عيناي تخرج من وجهي وأنا أحملق فيما قال، فقلت له صحيح ما قلت في اثنتين هما الغول والعنقاء، أما الخل الوفي فهذه عندي، أرجوك أمسك بيدي فجسمي مثقل وأنا بحاجة للوصول إلى صديقي وخلي الوفي، ضحك مبتسما وفي عينيه سخرية مما قلت، وأخذت اجر بنفسي، وقلت أنظر لقد وجدته، التفت حوله ولم ير أحدا، قال أين هو؟ هناك ، أين؟ في الزاوية، لا شيء، ما دهاك، وما اعتراك هل مسك شيطان فتهذي، وترى أشياء لا يراها غيرك، صحيح أنا متعب مرهق وقلبي ينزف دما لا تراه ؛ولكنه يكوي أحشائي بنار حرقته؛ ولكن لم افقد عقلي.

أنظر إلى تلك الزاوية فيها صديقي فهو حارس خزنتي التي دفنت فيها ماضيا سحيقا بعيدا قريبا، في صدري نسخته الأصلية وفي خزنتي نسخة احتياط وحارسها يقف أمامها، أين؟ هناك في تلك الزاوية، لا أرى إلا صندوق عتيق مهمل يعتليه الغبار وملقى إلى جواره قلم من رصاص، أين هو هذا الحارس؟، إنه هو، القلم هو الخل الوفي، لا يعرف الكذب فلا يكتب إلا ما أمليه عليه، ولا يسرق كما يسرق الآخرون ويدعون أنهم أصحاب قلم وهم بلا قلم ويدعون الإبداع وهم أشبه بالطبل الأجوف، وعندما ينفق ينفق من حر ماله فما أن  يذوب سنه كشفت عن الجزء الذي يليه، أسرر له بكل أسراري فهو الكتوم، لا لغة يفهم إلا لغتي التي أخاطب بها القاصي والداني ويفهمها الجميع إلا بلهاء لا يفهمون إلا لغة واحدة مغلفة بالنفاق فهي لغتهم واللغة التي يفهمونها ولا أجيد.

اتركني أرجوك وخلي الوفي، فكلانا يعرف الطريق فالبحر ليس ببعيد،  اتكأت على قلمي فلا أحد يحملني إلا هو، وسرنا معا مثقل ذاك القلم ولكنه جلد يحتمل ولا يشكو ولا يئن؛ ولكن عندما أحدثه ينساب انسيابا غريبا بلا توقف، ولا يمكن أن يقف بأمر من كان، فلا أمر لأحد عليه في أي موقع كان ، فهو الحر بلا قيود وأنا عليه الرقيب العتيد.

وما أن وصلت الشاطئ ألقيت بجسدي المثقل على رمله الناعم الرطب، وبقي الخل الوفي صالبا عوده ينتظر ما آمر به، نظرت إليه ففهم ما أريد وأخذ يدفع بي نحو مياه البحر يداعبها الموج، اختلط جسدي بالموج وبت جزءا منه يحركني برغبة مني يمينا وشمالا وأنا أشعر بأثقال وأدران تتساقط مني وشعرت أن بإمكاني أن أحمل نفسي، نهضت محاولا؛ ولكن يبدو أن هناك مازال بعض الأدران، فعدت للموج وتركت نفسي بين ذراعيه حتى لم يبق في جسدي شيء وأخذت نفسا عميقا عميقا شعرت بعده بانتعاشة وخفة حركة فقدتها من زمن، وخرجت مودعا للموج وقطرات الماء تتساقط عن جسدي بيضاء كعين القط، فضحك الخل الوفي، فقلت أيا قلم ما يضحك، فرد على باستحياء أراك عدت إلى عهدك، إلى قامتك، إلى حيويتك والابتسامة تكسوك، أمسك بي وأمرني ستجدني طوع يمينك، وأمينك، وكاتم سرك ، عد كما كنت وأضف من رسمك رسوم عهدك وابتسم.

ضحكت من أعماقي وفتحت ما في صدري من ماض بعيد قريب، ووجدت نفسي وقد عدت إلى الوراء حيث أكسير الحياة، فاحتضنت قلمي وسرت به حيث الملتقى وأخذت أحدثه وهو يكتب بنهم لا ينقطع ويقول: لا تحزن فأنت أنت لا تغيرك الحوادث والسنين.

اخبار ذات صلة