مصطفى الصواف
يبدو أن القوانين الطبيعية معطلة في الساحة الفلسطينية، فعادة ما نقول أن العجلة لا تعود إلى الوراء، ولكن بالنسبة لنا في فلسطين العجلة تعود دوما إلى الخلف ، جاءت حماس فأبطلت المشاريع المعدة للقضية الفلسطينية، المحاولات الأولى كانت في السبعينيات بعد حرب أكتوبر، التي فتحت المجال أمام الرئيس المصري السابق أنور السادات من التمهيد للاعتراف بإسرائيل قبل إعلانه عن زيارة الكنيست الإسرائيلي عام 1979م، ثم كان لا بد من كسر شوكة الفلسطينيين بعد عملية الترويض عبر استئصال المقاومة الفلسطينية في لبنان، فكانت حرب لبنان عام 1982م، أعقبها رحيل المقاومة الفلسطينية بعد تجريدها من السلاح ثم مجزرة صبرا وشاتيلا، وفي أعقابها بدأت الجولات المكوكية الأوروبية والأمريكية والحوارات مع المنظمة، وكل الأحداث التي انتهت بمؤتمر مدريد للسلام، وما لحقه من مباحثات سرية أنتجت اتفاق أوسلو فكانت السلطة الفلسطينية.
وسط كل هذه الأحداث اشتد عود حماس وقوي وتصلب مع دخول السلطة قطاع غزة وأريحا، وبدأ مروضو المنطقة والمخططون لتصفية القضية بالشعور بالخطر، وكان لابد من التخلص من حماس، وإضعافها؛ ففتحت السجون للمجاهدين في قطاع غزة، وعذب قادتها ولوحقوا، إلا أن حماس خرجت من ذلك أقوى، كما خرجت من كل ما قام به الاحتلال الصهيوني من قبل من اعتقالات وإبعاد أقوى.
فشل مخطط اجتثاث حماس، وجاءت الانتفاضة الثانية، واشتد عود حماس أكثر، فكان التفكير لدى الغرب من جديد في إعادة نفس الاستراتيجيات القديمة التي استخدمت مع المنظمة، وفتح، فعندما فشلت الاعتقالات، وسياسة الملاحقة، وتجفيف المنابع، كانت المراوضة، وبدأ التقرب من حماس، ومحاولة تدجينها، فكانت انتخابات 2006م، والتي هدفت إلى دمج حماس في المشروع السياسي، وسلبها من نفسها من خلال القضاء على المقاومة، وظن المخططون أن ذلك سيجعل حماس بعيده عن المقاومة أمام بريق السلطة، والرضا الغربي، فكنت الانتخابات والمفاجئة فوز حماس ، الأمر الذي زاد الأمور تعقيدا، فبدلا من تدجين حماس وإضعافها، أصبحت حماس أقوى مما تصور المخططون، فكان الحصار، وكان العدوان.
واليوم حازت حماس على الشرعيات كلها، شرعية المقاومة، وشرعية السياسة عبر الانتخابات والمجلس التشريعي، وهذا افشل الهدف من قيام السلطة الفلسطينية، وإلغاء منظمة التحرير الفلسطينية، وطالما أن الهدف فشل لابد من العودة إلى الوراء، وهو إعادة اللعب بورقة منظمة التحرير الفلسطينية مرة أخرى بعد أن تم إقصائها وإهمالها لحساب السلطة الفلسطينية، فكان التخطيط هو إظهار كرت المنظمة دون تطوير أو تتغير، وإبقاءها على ترهلها، وهذا الذي يجري اليوم.
عباس انتهت ولايته منذ يناير 2009، والمجلس التشريعي في ظل الانقسام والخلاف باقي وفق القانون، والدستور الفلسطيني يبقيه حتى يحلف المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية لتولي مهامه، وهذا يعني إبقاء شرعية حماس السياسية، ونهاية شرعية عباس، لكن المطلوب أن يبقى عباس على رأس السلطة، ولا بد أن تُلغى كل المؤسسات التي ظهرت بعد اتفاق أوسلو من سلطة أو مجلس تشريعي حتى يتسنى لعباس التفرد في القرار السياسي.
وبالفعل المطلوب هو أن تحل المنظمة محل السلطة، والمجلس التشريعي، حتى يبقى عباس متفردا في القرار السياسي الفلسطيني، ويفعل كل ما يريد دون رقيب، أو حسيب، أو شريك، فكان المجلس الوطني الذي عقد في رام الله رغم أنه غير شرعي، ومارس صلاحيات ليست من صلاحياته، والهدف هو إعطاء شرعية صورية للسيد محمود عباس.
كل ذلك يؤكد أن السيد محمود عباس بعد هذه المسرحية لتمديد شرعيته المنتهية ، زج بالتمديد للمجلس التشريعي حتى يغطي مسألة التمديد له، وبات في غير حاجة إلى انتخابات جديدة، فهو وفق المجلس الوطني أصبح المتفرد في السياسة الفلسطينية أمام أمريكا، وإسرائيل، والنظام العربي رغم يقينهم انه فاقد الشرعية، والمجلس التشريعي مغيب، وملاحق، ولا قيمة له نتيجة الانقسام، والملاحقة في الضفة الغربية، وهذا أعادنا إلى النقطة الأولى وهو إعادة الكرة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وبهذا يعتقد السيد عباس أنه تخلص من حماس سياسيا بإنهاء المجلس التشريعي ممد الولاية وفاقد الوجود على الأرض.
ولكن على ارض الواقع هذه القرارات، وهذه الاجتماعات لن تغير شيء، لن تنهي الانقسام، ولن تعطي عباس شرعية، ولن تلغي المجلس التشريعي، ولن تتغير الأحوال وسيبقى الحال حتى إجراء انتخابات شرعية وفق القانون، وهذا لن يتم إلا في ظل توافق وطني وإنهاء حالة الانقسام، وعود الحياة السياسية إلى عهدها الأول من الحريات والكاملة.