قائمة الموقع

نواب القدس وخيمة اعتصام مُفرَغة !

2012-03-04T18:16:13+02:00

رام الله – الرسالة نت

بقايا لافتات وبعض الكراسي المتناثرة وآثار من رائحة صمود ما زالت تلازم المكان، بينما بقيت لافتة تحمل الرقم 572 منصوبة على البوابة الرئيسية تصارع رياح الشتاء وريح المؤامرة العنصرية.

هي حكاية لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة أي فلسطيني، سيما هناك في البقعة المقدسة المحاصرة، فنواب القدس حفروا بثباتهم عنوان مرحلة امتدت لأكثر من عام ونصف تحكي فصول الملاحقة بين سجنيْن، بل فرضوا معادلة جديدة للتحدي لا يشعر بقيمتها إلا من هو مهدد بالرحيل القسري عن مدينته.

نظرة إلى الوراء

ورغم أن الكل بات يعرف تفاصيل قصة الصمود الأسطوري إلا أن شيئاً من التذكير بها ربما يضيف زوايا جديدة إلى الرصيد المعرفي، فالحكاية بدأت منذ عام 2006 حين قرر أربعة من قيادات حماس في المدينة المقدسة خوض الانتخابات التشريعية، تلك التي اكتسحت فيها الحركة قلوب الفلسطينيين دون منازع.

وقتها لم ترهبهم الإجراءات ولا التهديدات، بل وضعوا نصب أعينهم هدفا واحدا لخدمة أبناء القدس المنسيين من قبل كل المسؤولين خاصة بعد أن ظلمتهم "أوسلو" بأوراقها الخائنة، وساروا يكللهم الأمل بتغيير واقع مهوّد للقدس علها تصبح فعليا عاصمة واحدة وأبدية بعيدا عن الشعارات والهتافات.

ولكن المحتل لم يجد وسيلة لإسكات الصوت الإسلامي الذي بدأ ينبض بقوة على أرض الضفة غير السلاسل والأصفاد، فبعد أشهر قليلة من الانتخابات اعتقل كل نواب الحركة ووزرائها وزجهم تحت أحكام بالسجن لأربع سنوات مدروسة التفصيل، فهي المدة التي تنتهي بها فترة انتخابهم نوابا في المجلس التشريعي آملاً بذلك أن ينهي كابوساً كم أرّق نومه!

وتمر السنوات الأربعة بثقلها ومرّها وغياب القادة عن أرضٍ تحتاج إليهم، ليفرج عنهم في بداية عام 2010 ومن بينهم "فرسان" القدس الأربعة؛ محمد أبو طير وأحمد عطون وخالد أبو عرفة ومحمد طوطح، ومن هنا عاد الحلم يدق أبواب المقدسيين بنبض مقاوم يحمل همومهم، ولكن سحب الهوية المقدسية من أولئك كانت أول وسيلة إسرائيلية لإشعال معركة البقاء.

ويقول النائب المبعد عن مدينته أحمد عطون لـ"الرسالة نت":" حين تحررنا من سجون الاحتلال بقينا نحمل بداخلنا هماَ واحدا عنوانه القدس، كنا نملأ عقولنا وفكرنا وأذهاننا بخطط ومشاريع لنصرتها وأهلها عبر صوت مقاوم يتجاوز الوعودات الفارغة والكلمات المطمئنة، ولكن الاحتلال قرر خوض معركة من نوع آخر معنا عبر قيامه بسحب هوياتنا المقدسية واستدعائنا للتحقيق".

ويوضح عطون أن سلسلة الاستدعاءات للتحقيق مع النواب المقدسيين كانت مقدمة لطردهم من المدينة، وهو الأمر الذي عرفوه منذ البداية وتوقعوه من محتل لا يهدف إلا لطرد كل مقدسي، وبقي الأمر كذلك حتى تم اعتقال الشيخ أبو طير على حاجز مفاجئ قرب قريته صور باهر.

ويتابع:" حين تم اعتقال أبو طير قررنا فورا البدء بخطواتنا الاحتجاجية لأن الاحتلال كان يهدف لاعتقالنا نحن كذلك، فخرجنا بفكرة خيمة الاعتصام أمام مقر هيئة دولية كالصليب الأحمر لتوجيه عدة رسائل، الأولى للاحتلال أننا باقون في قدسنا والثانية للمجتمع الدولي الصامت والثالثة لشعبنا الفلسطيني الصامد".

وبالفعل أصبحت هناك خيمة صمود مقدسية أخرى، هذه المرة ليست ضد الهدم ولا مصادرة الأراضي، بل ضد الترحيل القسري والطرد الممنهج، وبدأ الأمر منذ 1/7/2010 وسط تباين للتوقعات في صفوف الفلسطينيين، حتى أمست الخيمة منارة للمقدسيين وفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، وأضحت بوابة الثبات التي توافد إليها المئات يوميا.

ويعتبر عطون أن نصب الخيمة كان بمثابة سلاح من نوع آخر يوجه إلى رأس المحتل، فهي شدت العالم إليها وجذبت كل الفئات للتضامن مع النواب في مطلبهم العادل بالتزامن مع إيعاد الشيخ أبو طير عن القدس وإعادة اعتقاله إدارياً، فهي باتت بحق نوعا جديدا من الثبات المقدسي".

صوب القدس

أشهر طويلة مرت على النواب وهم داخل خيمتهم، في حر الصيف وبرد الشتاء ونسمات الربيع ورياح الخريف، بعيدا عن العائلات والأطفال وداخل مساحة لا تتجاوز أمتارا قليلة، كل ذلك كي لا يصل شبح الطرد إلى أهلهم في المدينة المقدسة فتصبح سياسة هم أول من اكتوى بنارها، ومرة أخرى يبرع الاحتلال بافتعال الظلم فيقتحم الخيمة ويختطف النائب عطون عبر قوات مستعربة ويعتدي عليه بشكل وحشي.. ثم يبعده إلى خارج القدس قسراً.

ويقول عطون من منزل سكنه في رام الله:" نحن لا نعتبر أن إبعادنا عن القدس هو نهاية المطاف، بل هي بداية لمرحلة جديدة نواصل فيها مقاومتنا وثباتنا على أرضنا، ورغم المرار الذي يعتمل قلوبنا بعيدا عن قدسنا وأهلنا وعائلاتنا إلا أننا ما زلنا على أرض فلسطين وسنعود يوما لمدينتنا وأقصانا".

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من العنصرية، بل طالت النائب طوطح وأبو عرفة عبر اختطافهم بنفس الطريقة من داخل الخيمة تنكرا لكل القوانين والأعراف، والزج بهم في السجون حتى الآن وسط انحياز تام من المؤسسات الدولية التي تدّعي النزاهة والحرية.

عام ونصف بل أعوام من الصمود خطت نفسها في حكاية نواب القدس الذين لم يخشوا في الله لومة لائم ولم يستكينوا لموجة تهويد ربما طالت أجسادهم وأبعدتها عن منازلها، إلا أنها لم تؤثر على قلوبهم التي غمرها حب المدينة وثواب البقاء فيها.

ويقول المواطن المقدسي أسعد أبو اسنينة لـ"الرسالة نت" إن الخطوات التي قام بها الاحتلال ضد نواب المدينة لم تزدهم في عيون أهلها إلا رفعة، معتبرا أن ثباتهم وصمودهم في خيمة بسيطة لأشهر طويلة بعيدا عن منازلهم كان أمراً أعاد إلى المقدسيين نوعاً من التحدي.

ويضيف:" نواب القدس كانوا رمزا للصمود بكل ما يحمله من معانٍ، فهم لم يلتفتوا إلى مناصب ولا مسميات ولا ألقاب، بل وقفوا مع أهلهم ومدينتهم رافضين التهجير والترحيل القسري، وبالفعل نجحوا في إغاظة المحتل الذي عبّر عن ذلك في اختطافهم بطريقة همجية".

أما رئيس لجنة الدفاع عن سلوان فخري أبو دياب فيقول لـ"الرسالة" إن اعتصام نواب القدس في خيمة صمودهم كل تلك المدة كان كفيلاً بأن يزيد شعور التضامن معهم من قبل المقدسيين، لأنهم أقدموا على خطوة ليست بالسهلة وتقدموا خط الدفاع الأول عن مدينتهم وعروبتها.

ويتابع:" حالة التعاطف المقدسي مع النواب والتوافد إلى خيمة اعتصامهم كان شكلاً آخر للمقاومة في المدينة وهو الأمر الذي نجزم بأنه قهر الاحتلال وأذرعه فأقدم بعدها على خطوات الاختطاف عبر الوحدات المستعربة، لأنه شعر بأن هناك من تجرأ على التحدي، وأعتقد أن الاعتصام لم يفشل بل نجح حتى النهاية لأنه فتح المجال أكثر للثبات والصمود".

وتأبى الحكاية أن تُنهيَ فصولها عند هذا الحد، بل تبقى صفحاتها مفتوحة حتى يمنّ الله بفتح قريب لبيت المقدس.. وأكناف بيت المقدس.

اخبار ذات صلة