الرسالة نت - فادي الحسني
على وقع القصف المتواصل على غزة جلس الحاج أبو عبد الله أمام بيته والشمس تلهب رأسه، وأخذ يقلب حبات مسبحته ولسانه يلهج بالدعاء: "اللهم الطف بنا"؛ في تعبير واضح عن حالة الرعب والبؤس التي يعيشها مواطنو القطاع.
وبعد أن أنصت أبو عبد الله للأنباء الواردة تباعا عبر المذياع والتي تفيد بسقوط شهداء مضى يقول: "(إسرائيل) تقرع طبول الحرب في القطاع، وتزيد من الخناق؛ فلا غاز ولا كهرباء ولا ماء.. وفوق هذا كله شهداء وعدوان!".
ورفع الاحتلال الجمعة الماضية من وتيرة التصعيد على غزة وسط حالة غليان شعبي بفعل شح الوقود وانقطاع الكهرباء وانعكاس ذلك على الحياة اليومية.
وأفاد الحاج أبو عبد الله أن أسطوانة الغاز قد نفدت من بيته، "والمولد قد تعطل بفعل شح الوقود اللازم لتشغيله فضلا عن استمرار انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة"، متهما الاحتلال بمحاولة إحكام الخناق على غزة كمقدمة لشن حرب جديدة.
ويعيد المشهد المأساوي للأذهان مرحلة الحصار التي سبقت الحرب على غزة خريف 2008-2009 والتي سقط فيها مئات الشهداء سواء بفعل الرصاص أو انقطاع الدواء.
وإن تشابهت الظروف في الحالتين فإن (إسرائيل) تحاول هذه المرة ممارسة الضغط على الحكومة الفلسطينية في غزة، "وليس لديها توجه لشن حرب على القطاع"، وفق ما قالت صحيفة (يديعوت احرونوت) العبرية.
وطبقا لما قاله المحلل العسكري للصحيفة العبرية "أليكس فيشمان" فإن التصعيد الجاري حاليا في قطاع غزة مدبر من الجيش (الإسرائيلي).
ولا يخفي "فيشمان" أن التصعيد الحالي موجه بصورة أساسية للضغط على حكومة حماس، مؤكدا أن (إسرائيل) تعتبر حماس المسؤول الأساسي عما يدور في القطاع.
بيد أن المحلل السياسي هاني البسوس ذهب إلى أبعد من ذلك في تأكيده على أن (إسرائيل) تمارس حرب استنزاف للمقاومة الفلسطينية بغزة بكل صورها، مؤكدا أن في هذه الحرب محاولة لزيادة الخناق على القطاع.
وبين البسوس أن الاحتلال لا يلتفت إلى (الربيع العربي)، "فهو يعمل جاهدا لكسر راية المقاومة بتوجيه ضربات متتالية إليها مستغلا بذلك حالة الصمت العربي حيال ما يجري في غزة".
ورغم اعتقاد المحلل السياسي بأن العدوان لن يستمر طويلا في غزة لكنه عاد وقال: "الاحتلال سيجدد من عدوانه مرات ومرات على غزة، لأنه يسعى دوما لأن يبقي القطاع تحت الضغط ويضعف المقاومة"، لافتا إلى أن سياسة (إسرائيل) القائمة على الحصار والحرب لن تجدي، "ولن تحقق للكيان أي مكاسب تذكر".
الكاتب حسام كنفاني قال بدوره: "التصعيد (الإسرائيلي) على قطاع غزة ليس جديدا لكنه يأتي في ظروف بالغة الدقة بالنسبة للفلسطينيين".
ويرى كنفاني أن الجديد في معطيات التصعيد في القطاع أن رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" عاد من زيارته الأمريكية خالي الوفاض، "ومقيّدا برفض أمريكي لأي خطوة عسكرية أحادية الجانب اتجاه إيران، مما يجعله محرجا على الساحة الداخلية، لذلك فإنه قرر حرف التهديدات إلى المقاومة الفلسطينية"، مشيرا إلى أن الاحتلال بدأ منذ فترة بالترويج -عبر سلسلة من التقارير الإعلامية- بأن الفصائل تمثل خطرا حقيقيا على الكيان.
واعتبر أن غزة تمثل في الوقت الحالي ساحة بديلة لإيران، "فمن الممكن عبرها تنفيس الكبت الصهيوني واستعادة (إسرائيل) للشعور بقدرتها على الضرب مستفيدة من حسابات الداخل الفلسطيني".
وختم كنفاني بالتحليل: "قدرة الرد (الإسرائيلية) لها حدود رغم أن الكيان (...) رغم يسعى إلى تحسين صورته العسكرية فإنه غير راغب في خوض حرب حالية قد تكون جانبية نسبة إلى ما يعد له من حرب كبيرة تبدأ من إيران ولا تنتهي في لبنان وغزة؛ لذا فإن غزة ليست إلا بديلا مؤقّتا لإيران".