الخليج الاماراتية
ثمة حاجة إلى رادار نفسي يرصد ما يبطنه رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وهو يعلم مرة أخرى أن الاستيطان في القدس المحتلة سيستمر باعتباره “حقاً” لمشروعه الاستعماري التهويدي، وليس عقاباً للفلسطينيين .
هذا المتلاعب بالكلمات للترويج السياسي، كان وصف الحراك العربي بزلزال، وهو لا يتصرّف على وقع هذا التوصيف الذي يفترض به أن يشكّل هاجساً ومبعث حسابات دقيقة وسياسات حذرة .
نتنياهو يجتر مواقف أسلافه، يكرر ما قاله إسحق شامير في افتتاح محفل مدريد عام ،1990 إنه قادم من القدس “عاصمة الشعب اليهودي منذ خمسة آلاف عام”، وما قاله رابين بعدما وقع مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو في باحة البيت الأبيض، إن القدس عاصمة أبدية موحّدة ل “إسرائيل” . يكرر نتنياهو هذه الأسطوانة المشروخة بشأن القدس التي يريدها ليست عاصمة للكيان فحسب، بل لما يسمى “الشعب اليهودي”، أي عاصمة لليهودي الروسي والبولندي والألماني والإثيوبي والميكرونيزي، وليوسّع الطريق ويعبّده إلى يهود مدينة جربة التونسية، استكمالاً لخطة “عشرين عشرين” التي تعني بناء قدس خالية من أصحابها الفلسطينيين عام 2020 .
لو كانت القدس موضوعاً يتردّد على لسان نتنياهو وأفيغدور ليبرمان ومعلقي صحافة الكيان، لكان الرد وضعها بالمقابل على ألسنة الناطقين باسم وزارات الخارجية العربية ومنبر الجامعة، ولكان يكفي تعبئتها حبراً في أقلام الشعراء وكاتبي الروايات والقصص القصيرة . لكن واقع القدس يتجاوز الحيز النظري اللفظي، فهي تتعرض لمذبحة تهويد يسابق الزمن والفصول كلها . هدم المنازل يقابله مصادرة غيرها، وبناء كنس ومعالم ذات طابع صهيوني، وطرد الفلسطينيين يقابله استقدام مرتزقة من أصقاع شتّى من الأرض لإسكانهم في المنازل المسروقة من أصحابها . البلدة القديمة بما تحتضن من مقدسات إسلامية ومسيحية باتت معلّقة في الهواء وقد تنهار في أية هزة أرضية، أو مع أي اختراق طائرة صهيونية لحاجز الصوت .
هذه ملامح مختزلة لواقع أولى القبلتين وثالث الحرمين، وهذا ما يقوله نتنياهو وما يفعله الكيان الغاصب بزهرة المدائن، واقع راهن وقادم يقذف في وجوه العرب جميعاً سؤالاً مؤلماً: أين أنتم مما يجري في القدس ولها؟ لو كانت القدس مدينة خاصة بالفلسطينيين، لاحتملنا على مضض تركها تواجه مصيرها، كما ترك العرب بيروت تواجه الجحيم “الإسرائيلي” العام ،1982 لكن القدس مدينة تحمل في طياتها تراث العرب والمسلمين ومقدّساتهم، وعلى بعد بضعة أمتار من المسجد الأقصى، هناك العشرات من الصحابة وعلماء المسلمين مدفونون في ثرى القدس .
قد يكون نتنياهو بهذه التصريحات المكررة بالتوازي مع الممارسات التهويدية الجارية، وكذا العدوان المتكرر على غزة، يقوم باختبار لما أطلقه من مخاوف من “الزلزال العربي”، فهل يأتي الرد من الشارع العربي عليه بإعادة توجيه البوصلة نحو القدس؟