بـ "طلقة".. أُم بركة تفقد يدها ورجلها وقلبها !

الرسالة نت – أحمد طلبة

"نفسي أبكي وأنزل دموع من عيوني يمكن أرتاح شوي .. بس خايفة عليه يتعذب أو يزعل مني" وسط حالة تردد ملحوظ بين إنزال دمعاتها أو لا, أطلقت والدة الشهيد بركة محمد المغربي تلك الكلمات المعتصرة بالألم على فراق ولدها.

في ساحة بيته التي امتلأت بصور ابتسامته البريئة, وتناثرت فيها رائحة الشهيد الطفل بركة ابن السبعة أعوام, جلست والدته بصحبة "الرسالة نت" تتوشح بعباءتها السوداء؛ لتروي لنا تفاصيل حادثة استشهاده.

كالعادة استفاقت أم بركة من نومها عند الساعة السادسة صباحاً, مسرعةً إلى فراش ابنها –الذي تأخر عن موعده- لإيقاظه وتجهيزه حتى يذهب إلى مدرسته, قبل أن تُلبِسه زيه المدرسي وتضع في حقيبته وجبة طعامه اليومية, أملاً في اسكات أصوات معدته خلال فترة الاستراحة.

قلبي دليلي

تقول أم بركة -وعيناها تبديان لمعةً فسرت اشتياقاً له- إن قلب الأم دائماً دليلها, فقبل أن يذهب إلى مدرسته ضمته إلى صدرها محاولةً ملأ رئتيها بعبق رائحته, في ظل سيطرة الشعور بأنها المرة الاخيرة.

وتشير إلى أنها كانت في زيارة لبيت أهلها, قبل أن تهاتفها عمة الشهيد بركة متسائلةً عن مكان تواجدها, فأجابت والشك ينتابها "أنا عند دار أهلي .. إيش في ؟!", حاولت عمته إخفاء الأمر, إلا أن إصرار النساء اللواتي التففن حوالها حالت دون ذلك.

أخبرت عمة الشهيد والدته بأنه قد أصيب في طلق برأسه خلال عودته من المدرسة, إلا أن الأم لم تكترث لما سمعت, ولم تصدق الخبر الذي اخترق أذنها, الأمر الذي دفعها إلى تكذيب عمته بعبارة "انتي بتكذبي عليا".   

ذهبت الام مسرعةً إلى المستشفى لتطمئن على فلذه كبدها, إذ فوجئت بدخول ابنها في رحلة غيبوبة استغرقت أربعة أيام متواصلة "دون حس ولا خبر" في صراع مع الرصاصة التي استقرت في راسه طوال الفترة, قبل أن يفارق الحياة عصفوراً في الجنة.

وبحسب شهود العيان الذين تواجد في المنطقة لحظة الحادث, فإنه أثناء تشييع جثمان أحد شهداء العدوان (الاسرائيلي) على قطاع غزة أخيراً, أطلق أحد المشيعين الطلقات في الهواء؛ احتفاءً وتكريماً للشهيد.

وتضيف أم بركة أنه جاء رجل إلى البيت بعد الحادثة يروى لنا تفاصيل ما جرى, فيقول: "حملت الطفل إلى المستشفى بعد أن ارتمى على الرصيف جراء اصابته بطلق ناري, وفتحت حقيبته للتعرف على هويته".

صرخة بلا وعي

وبينما كان يبيت ولدها في المستشفى .. استفاقت أم الشهيد من نومها بعد صرخة "لا إرادية" حملت اسم بركة أطلقتها دون وعي, لتخرج مسرعةً إلى باب المنزل, وتتفاجأ بمراسم التشييع التي شهدها باب البيت, في إشارة وصلتها بأنه قد استشهد.

ملامح وجهها بدت مبعثرة في اللحظات الأولى من سماع الخبر, لكنها اكتفت بقول "الحمد لله, لله ما أخد ولله ما أعطى, الله عليه العوض", في محاولة لتواسي نفسها بعد فراق الابن البكر الذي جاء بعد خمس سنوات من زواجها.

وترجع أم بركة بعجلة الذاكرة إلى لحظات ميلاده التي ربطتها بحادثة وفاته, فتقول والدهشة تملأ عينيها: "بدأت الطلق فيه يوم سبت بنفس اليوم الذي أصيب فيه, وأنجبته يوم أربعاء الساعة الرابعة, تزامناً مع موعد استشهاده".

كونه الابن الاكبر كانت والدة الشهيد تعتبره "يدها ورجلها" التي تحرك حياتها, وقلبها النابض الذي يبعث فيها الروح, على الرغم من أن لديه شقيقتين إلا أن "بركة غير" فقد كان يمتلأ البيت بشقاوته وحركته.

تأثر بصديقه

ولفتت إلى أن ابنها الشهيد كان قد توفي صديقه زكريا قبل أشهر من استشهاده إثر صعقة كهربائية, الأمر الذي أثر كثيراً على بركة؛ حزناً على فقدان الرفيق الوحيد في المدرسة والبيت والحارة.

وأشارت إلى أن مراسم الحزن امتدت من البيت لتطال مدرسته وزوايا فصله بين أصدقائه ومعلميه, مما دفع أحد مدرسيه إلى الاضراب عن الدراسة؛ حداداً على روح الشهيد ابن الصف الأول.

وتبدي أم بركة ألمها الشديد إزاء المواقف التي ستتعرض إليها مستقبلاً في أي مناسبة سواء حزينة كانت أم سعيدة, ستتذكر فيها رائحة الشهيد الطفل التي تناثرت في أرجاء المنزل ولا تكاد تفارقه.

البث المباشر