مؤمن بسيسو
لا مجاملة في المصلحة الوطنية العليا لشعبنا الفلسطيني، ولا مداراة في تشخيص العلل والأدواء التي تؤثر على مصيرنا الوطني.
الوطن ككل وحدة واحدة لا تتجزأ، ومصلحته -أيضا- وحدة واحدة لا تتجزأ، ومن يشكك في ذلك يهدم أحد ثوابت القضية، ويحدث نقبا في السفينة الوطنية بما يعرضها للغرق والضياع.
كل ممارسة تخرج عن إطار القيم والأخلاقيات الوطنية تُحدث نقبا في جدار سفينة شعبنا التي تبحر نحو الحرية والانعتاق من نير الاحتلال، وكل ممارسة مخلّة تؤثر على مصير شعبنا ومستقبلنا الوطني تُحدث -أيضا- نقبا في جدار السفينة التي تحمل بين أضلعها كل فصائل شعبنا وشرائحه وتحمل معها -أيضا- كل همومنا وآلامنا وطموحاتنا وقضايانا وحقوقنا وثوابتنا الوطنية التي ناضلنا -وما نزال- لتحقيقها طوال العقود الماضية.
المسؤولية في حماية السفينة الوطنية من الغرق والضياع مسؤولية تضامنية ملقاة على عاتق الجميع ولا تخص فردا بعينه أو تنظيما محددا، وما لم تتبلور رؤية وطنية واضحة وما لم ينطلق حراك وطني حقيقي لهدف حماية شعبنا ومصالحه العليا فإن أهداف الاحتلال ومخططات العدوان ستضربنا لا محالة، وحينئذ لن ينفع الندم أو اجترار المراجعات بعد فوات الأوان.
نحتاج اليوم إلى إرساء توافق وطني شامل باعتبار أنه هدف إستراتيجي غير قابل للتأجيل ينطلق أساسا من إنجاز المصالحة وملفاتها المتعثرة مرورا بصوغ إستراتيجية كفاحية جديدة تدير الصراع مع الاحتلال وتضع آليات الرد على أي عدوان بعيدا عن التفرد الفصائلي أو التغريد خارج السرب الوطني.
التفرد الفصائلي آفة كبرى ينبغي محاربتها وطيّ صفحتها وخصوصا في ظل الظروف الدقيقة والحساسة التي يعيشها شعبنا وقضيتنا؛ فالتفرد يستجلب دوما الأخطاء والمصائب، ويشيع الإرباك والاضطراب في إطار مسيرتنا الوطنية وعملنا المقاوم، ويفسح المجال أمام عبث الاحتلال وتدخلاته، ويعيد القضية ومسار التحرير سنوات طويلة إلى الوراء.
سيظل التوافق الوطني الضمانة الأساسية لحماية شعبنا وقضيته ومصالحه الوطنية، ولا مبرر لانحراف الفهم لدى البعض حول ضرورات التوافق الوطني؛ فالمصلحة الوطنية يجب أن يراها كل فصيل مصلحة عليا يتمثّلها ويتحراها في كل مواقفه وسياساته الفصائلية، ويحدد مدى أهليته الوطنية بقدر اقترابه من محدداتها المهمة ومضامينها الأساسية.
اللغة الفصائلية الصاخبة لا تسمن ولا تغني من جوع أمام ضرورات الانصياع لمنطق المصلحة الوطنية العليا؛ فالهدف الفصائلي ما لم يكن متفقا مع الهدف الوطني ودائرا في فلك المصلحة الوطنية فإنه يضلّ الطريق، ويشتت الجهد والأداء، ويمنح العدو ثغرة خطيرة لضرب شعبنا وحقوقنا ومصالحنا ومشروعنا الوطني.
في التوافق بركة وقوة، وفي التفرد ضعف واختلاف، ونحن أحوج ما نكون اليوم إلى جلسات وورش عمل وطنية مكثفة لتحديد أسس المصلحة العليا ومضامينها، وتأطير القيم والمفاهيم، وبلورة الرؤى والآليات الكفيلة باستحداث أفضل طريقة لإدارة الصراع مع الاحتلال.
حماية السفينة الوطنية من الغرق مسؤوليتنا جميعا شعبا وفصائل، وأي تقاعس أو استخفاف عن حمل الأمانة والاضطلاع بالمسؤولية التي تفرضها خطورة المرحلة يتحمل مسؤوليتها الجميع دون استثناء، ويدفع ثمنها الجميع دون استثناء.