بقلم: محمد السوافيري – كاتب من غزة
ربما كانت انتخابات نقابة الصحفيين بغزة والتي تمت في 18 مارس الجاري، آخر مراحل العلاج لإصلاح حال النقابة المتردي منذ عشرات السنين، وقد شكلت الانتخابات بمثابة خطوة الكي والذي يُعد آخر محاولة ممكنة للعلاج رغم أن ديننا الحنيف نهى عنه، كما تنهانا وطنيتنا وحبنا لفلسطين عنه في حالتنا.
إلا أن هذه الخطوة ربما تكون بمثابة العملية الجراحية والخطوة الأكثر نجاعةً لانفكاك الصحفيين عن الارتهان والارتماء في أحضان الأمن والسياسة.
غير أن هذه العملية قد لاقت اعتراض العديد من الجهات، خاصة تلك التي انفردت بانتخابات مستقلة في رام الله بعيداً عن مشاركة المئات من الصحفيين الشباب بغزة، واختتموا آخر اتهاماتهم بأنها تُعزز الانقسام وتكرسه .. ولكن نقول لكل هؤلاء مهلاً فهذه العملية الجراحية جاءت متأخرة كثيراً، فآخر انتخابات لنقابة الصحفيين الفلسطينيين عُقدت قبل الانقسام بعشر سنوات على أقل تقدير ومن المعروف أن دورة النقابة هي من 2 إلى 3 سنوات كأقصى حد، وبعدها كان من المفترض أن تتم هذه الخطوة ولكنها غابت عشر سنوات حتى وقع الانقسام، الذي أصبح شماعةً يعلقون عليها ملابسهم المتسخة !!.
ولا ننسى ما سُمي في عام 2010 انتخابات نقابة الصحفيين، رغم أنها عُقدت باستبعاد مئات الصحفيين الشباب الذين تنطبق عليهم شروط العضوية وإعطاء عدد آخر بطاقات تعريف – أي لا يحق لهم التصويت في الانتخابات – اسألوا من شاركوا في هذه الانتخابات .. ماذا قدمت لهم النقابة خلال الفترة الماضية ؟ وأين إنجازاتها وأعمالها على أرض الواقع ؟!!.
ورغم هذا، أعتقد أن حالة الفرح التي سادت المؤتمر العام لانتخابات نقابة الصحفيين التي جرت يوم 18 مارس في غزة لم تكن بسبب الحدث نفسه بقدر ما كانت فرحة المئات من الصحفيين والصحفيات الشباب لحصولهم على العضوية، بل ربما كانت فرحة ممزوجة ببعض الحزن لأن هناك فئة كبيرة من زملاء يستحقون العضوية لم يشاركوا في هذه الانتخابات خصوصاً من الشق الآخر من الوطن المحتل، لأن بعض حيتان الصحافة رضوا بأن يرتهن ملف نقابة الصحفيين لأدراج السياسيين تفتح وتغلق متى شاءوا، وأن تبقى كمجلد في خزائن الأجهزة الأمنية يُنسبّون فيها غير ذوي الحق.
وقد كان حال الصحفيين الشباب خلال المؤتمر "أن تأتي العضوية متأخرة خيراً من ألا تأتي" .. نعم هي العضوية التي حُرمنا منها نحن والعشرات من زملائنا سواء لأسباب حزبية أو شخصية أو غير مهنية، وهي الآن تتحقق واقع عملي يفرح به الشباب، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل أن المئات من الصحفيين الشباب تنطبق عليهم شروط العضوية ويبقى السؤال قائماً، لماذا لم يمنح هؤلاء العضوية منذ سنوات ؟ ومن الذي كان يرفضهم ؟.
أرى أن يوم الانتخابات وتنسيب الصحفيين الشباب له ما بعده من نشاطات وإنجازات تُجسد على أرض الواقع وتمحو كل معاناة السنوات الماضية لجموع الصحفيين وتؤكد لهم بأن هذه الانتخابات جادة وجدية وستغير واقع الصحفيين إلى واقع عملي سيتغير معه حال الإعلامي والصحفي والإعلام الفلسطيني بأسره على عتبة جديدة من الإبداع والتألق.
فما الفرح إلا بتحقيق الإنجازات واقع عملياً ينعم بها الصحفيون ويرونه واقعاً ملموساً على الأرض، ولا أرى أن مهمات النقابة تنحصر في بيانات التهنئة والتعزية والشجب والإدانة التي لا تُسمن ولا تغني من جوع.
وما واجب النقابة الآن إلا أن تبحث في طيات الوطن عن اهتمامات الصحفيين وما لهم من حقوق، حُرموا منها قصراً لأسباب باتت درباً من الماضي، فما مهمة تولي مجلس إدارة النقابة إلا تكليف وليس تشريف و"تشخيص وسفريات واعتلاء الموجات على ظهور الصحفيين الكادحين".
وختاماً: أعبر كصحفي فلسطيني عن حزني وأسفي لما أبداه الاتحاد الدولي للصحفيين واتحاد الصحفيين العرب، من عدم حسن استماع أو استفهام للمواقف من كافة الأطراف ليشاركوا هم الآخرين بتعزيز الانقسام الفلسطيني الداخلي، ووقوف جهات تقول عن نفسها مستقلة في وطننا كمتفرجة ساكنة ساكتة صامتة لا بل متواطئة لتشارك في ذات الجُرم.
ولذا هذه دعوة أوجهها كصحفي وإعلامي فلسطيني إلى الاتحادين إذا كانوا جادين بأن يشكلوا لجنة عضوية عربية ودولية وليأتوا إلى شطري الوطن ويشكلوا كذلك لجنة انتخابات من ذات الطراز وتشرف بنفسها فقط على انتخابات لنقابة الصحفيين لتشكيل نقابة واحدة بين شطري الوطن، ساعتها لن يكون الأمر مزعجاً إلا للدخلاء على مهنتنا والمتطفلين عليها وسيفرح الصحفيون الحقيقيون.