الوطن-سلطنة عُمان
مسكين الشعب الفلسطيني ومسكينة قضيته، لم يكن أحد ليتصور أن هذه القضية الإنسانية بحق أن يتم تحويلها إلى سلعة رخيصة بيد سماسرة في أسواق النخاسة التي أقامها كيان الاحتلال الإسرائيلي في العديد من عواصم النفاق السياسي في العالم، ففي الوقت الذي يحاول الشعب الفلسطيني أن ينقل قضيته التاريخية العادلة ويبحث عن من ينتصر لها، ويعمل على مساعدته في استعادة حقوقه، فإذا به يجد أنه هو وقضيته العادلة يتم المتاجرة والسمسرة بهما في قضايا لا علاقة لها بمعاناته وعذاباته، لتضاف إلى تحويل القضية الفلسطينية إلى أداة انتخابية ورفع أسهم المترشحين المتنافسين في بورصة الانتخابات، على النحو الذي رأيناه في الكيان الإسرائيلي المحتل، حيث من يُرِدْ أن يصل إلى سدة رئاسة حكومة الاحتلال عليه أن يريق الدماء الفلسطينية الزكية رخيصة، ومن يتمكن من إراقة أكبر قدر يكن هو صاحب النصيب الأوفر والحائز على النسبة الأكبر من الأصوات، وكذلك على النحو الذي رأيناه ونراه في الولايات المتحدة، حيث يتحول موسم "الانتخابات" إلى موسم لـ"السخافات"، سواء فيما يخص القضية الفلسطينية أو ما يتعلق بقضايا وأوضاع دول، فقد كانت لافتة مواقف المرشحين في الحزب الجمهوري الأميركي وخاصة على لسان المتنافس نيوت جنجريتش صاحب تقليعة أن الشعب الفلسطيني "تم اختراعه" يسعى لتدمير "إسرائيل"، وحتى الرئيس باراك أوباما لم تسلم القضية الفلسطينية من مواقفه السلبية، حيث كانت واضحة نبرة التزلف وحالة الاستجداء لأصوات اللوبي الصهيوني وأمواله ودعمه، في كلمته التي ألقاها أمام المؤتمر السنوي للوبي الصهيوني لمنظمة "أيباك"، وليس مستبعدًا أن تنتقل هذه العدوى إلى دول أوروبية بصورة لا تقل حدة في المواقف من القضية الفلسطينية.
إن الشعب الفلسطيني واقع اليوم بين فكي كماشة؛ الفك الأول يتمثل في التراجع في الموقف العربي تجاه قضية العرب المركزية التي أصبحت في ذيل قائمة الاهتمامات، وكذلك تتمثل في التملص الإسرائيلي وعدم التوقف عن اختلاق الذرائع وابتداع أساليب المراوغة والخداع لخلط الأوراق والتشويش لا سيما حين تحين لحظة استحقاق، بالإضافة إلى الدعم غير المحدود من قوى المجتمع الدولي الفاعلة والممالئة والمنحازة للجانب الإسرائيلي، وتبني مزاعمه ومساندته في التملص من الاستحقاق على النحو الذي رأيناه على سبيل المثال في موقف أوباما حين ذهب إلى أن عدم اعتراف حركة حماس بحق "إسرائيل" في الوجود، يمثل عائقًا أمام التسوية، بينما كان عليه أن يقول إن عدم اعتراف "إسرائيل" بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة هو العائق الحقيقي للتسوية، إضافة إلى أن تجاهله ذكر أن الاستيطان والاحتلال هما أيضًا عائق آخر.
أما الفك الآخر فهو الانقسام الفلسطيني وبقاء عملية المصالحة في حالة مراوحة لم يتمكن الفرقاء الفلسطينيون من تجاوزها وإتمام المصالحة وإنهاء ملف الانقسام بصورة نهائية، والأسباب باتت معروفة منها ما يتعلق بالفرقاء الفلسطينيين أنفسهم، ومنها ما يتعلق بقوى الخارج.
وعلى الرغم من هذه الكماشة الخانقة تأتي اليوم ثالثة الأثافي المتمثلة في ارتكاب جرائم في أماكن بعيدة عن فلسطين ومحاولة ربطها وتبرير ارتكابها بقضية إنسانية بحتة ومعاناة بشر والاتجار بها ألا وهي قضية الشعب الفلسطيني، ومثل هذه التبريرات لا تخدم القضية الفلسطينية ولا تمثل انتصارًا للشعب الفلسطيني، ولو كان كل مرتكب جريمة صادقًا في حبه للشعب الفلسطيني حين يرتكب جريمته لما زج فيها قضية شعب مسلوب الحقوق ويتعرض لأبشع صور الإرهاب والتنكيل والتمييز العنصري، ويبحث عن يدافع عنه بالوسائل القانونية والشرعية، فمن يُرِد الانتصار له حقًّا فإن هذا الانتصار له قنواته ووسائله الشرعية.
فحسنًا فعلت السلطة الفلسطينية حين وقفت ضد تصريحات مرتكب جريمة مدينة تولوز الفرنسية بكل حزم وقوة ضد استخدام اسم فلسطين وعذاباتها من قبل جهات لها أهداف وأجندات مغايرة تمامًا لما يطمح إليه الشعب الفلسطيني، محاولة (أي السلطة) التفنيد بين الانتصار والحق والإرهاب والباطل.