غزة- نور رياض عيد
ما من شك أن قدرتنا على ترتيب أولوياتنا يساهم في حل كثير من أزماتنا ومشكلاتنا، ويقود أمتنا نحو التقدم والرقي، ولعل ترتيب الأولويات يكون أكثر إلحاحًا في المشكلات الأكثر تأزمًا، كمشكلة قلة المال اللازم للمساهمة في التخفيف من الفقر، أو لتشييد المشروعات الخيرية، وهذا ما دفعنا للحديث عن الأولويات في مجال الصدقة والتبرع.
والمتابع لأحوال المتبرعين يجد الخلل واضحًا في هذا الجانب، وقد ذكر الدكتور يوسف القرضاوي - في كتابه "في فقه الأولويات"- شيئًا من ذلك، ففي موسم الحج يذهب لأداء المناسك جمع غفير من الأثرياء ليحجوا للمرة الثانية والثالثة، ولو طلب منهم أن يقدموا هذا المال من أجل نصرة إخوانهم في دولة من البلاد المحتلة أو المنكوبة لرفضوا ذلك، حفاظًا على تلك اللذة الروحية التي يشعرون بها وهم يؤدون الشعائر، مع أن نصرة إخوانهم المظلومين والمسحوقين فريضة وحجهم للمرة الثانية والثالثة نافلة.
ومما نشاهده أيضًا أنك لو طلبت من الناس أن يتبرعوا لبناء مستشفى أو مدرسة أو مكتبة في مدينة هي في أمس الحاجة لذلك، لأعرضوا عن هذه الفكرة، لكنك لو دعوتهم للإنفاق من أجل بناء مسجد في بلدة فيها عشرة مساجد لتبرعوا بنفوس طيبة وقلوب راضية.
ولو أراد شخص أن يقدم صدقة جارية عن روح أحد أحبابه، فإن نفسه لا تطيب إلا بتوزيع مصاحف أو المساهمة في بناء مسجد، ويأبى أن يتقدم بشيء من ذلك من أجل شراء جهاز طبي يستفيد منه عددٌ كبيرٌ من المرضى، أو من أجل المساهمة في مشروع علمي، اعتقادًا منه بأن العمل الأول أعظم أجرًا.
هذه النماذج وغيرها تثبت حجم جهل الناس بفقه الأولويات في جانب التبرعات، وهذا يستلزم منا العمل من أجل تحسين هذا الوضع، ومما يساعد على ذلك:
1- أن يتحدث الخطباء والوعاظ في دروسهم ويؤكدوا دومًا على أن الثواب يكون على قدر المنفعة التي تجنى من وراء ذلك العمل، وأن كل مشروع فيه خير للبشرية فإن فيه الأجر، وزراعة شجرة ينتفع الناس والبهائم بثمرها أو بظلها يحقق الأجر والثواب لزارعها.
2- يحسن بالدعاة أن ينبهوا الناس على أن التبرعات لا تقتصر على المال، بل بإمكان العامل والصانع والمصلح والطبيب والمهندس أن يقدم للناس ما يحتاجونه من خلال عمله وتحسب له عند الله صدقة، فكل معروف صدقة كما ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- حينما يكون التبرع للفقراء من الجيد أن نذكر الناس ونحثهم على الصدقات التي ينتفع بها الفقير لمدة طويلة، وقد تنقله من تحت خط الفقر، لذا كانت الناقة أو الشاة الحلوبتين من أفضل الصدقات لما تحقق من نفع طويل المدى للفقير وعائلته، فلا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد، وأكون أكثر امتنانًا لك إن علمتني كيف أصنع صنارة الصيد!
4- من المهم أن تعد المؤسسات الخدماتية قائمة بأهم مستلزماتها، وأن تعرضها بشكل مستمر كي يساهم أهل الخير والصدقة في توفيرها.