قائمة الموقع

عبّاس السيّد .. حكاية الصمود والتحدي!

2012-04-16T16:07:35+03:00

غزة-محمد بلّور-الرسالة نت

يتحرك الزمن على قيد معصميه معلناً انهزام السجّان "الإسرائيلي" في لعبة الموت داخل الزنازين وأقبية التحقيق.

كفارس فضّي جاء من زمن بعيد يطلّ عبّاس السيّد 46 سنة دوماً بعطره الفوّاح وهندامه المنشّا متجاهلاً عزله الانفرادي وحكمه المؤبّد.

كل من خالطه أو عاش معه رأى فيه رجلاً غير عادياً فصفاته لا تقف عند قوّة التأثير بل تتخطاها إلى كثير من الوعي السياسي وفلسفة التعامل مع العدو.

ما يّذكر أبناءه به  "عبد الله 12 سنة ومودّة 14 سنة" هي فقط تلك الصورة المثبّتة على الجدار والتي ينظر فيها عبّاس بسخرية لسجّانيه.

تعرّض عبّاس الشهر الماضي لمحاولة اغتيال عندما هاجمه خمسة عشر جندياً "إسرائيلياً" وانهالوا عليه بالضرب المبرح ما خلّف جروحا غائرة في جسده.

يتهم الاحتلال عباس بالمسئولية عن عملية "فندق بارك" التي أوقعت 36 قتيلاً و150 جريحاً ومن يوم اعتقاله وحكمه بالمؤبد يعلن الاحتلال أن فاتورة الحساب معه لم تنته بعد.

ومنذ أسابيع تتصدر أخبار عبّاس عناوين الأخبار عند ذكر الأسرى والسجون فهو أحد أشهر الأسرى المعزولين ويكاد يكون الوحيد الذي تعرّض لمحاولة اغتيال بتلك الطريقة.

انتقام أسير

لم تربط الأسير عوض الصعيدي بالأسير عبّاس السيّد أي علاقة مباشرة عرفت عنهما من قبل سوى أن الأول سمع الكثير عن الثاني خاصّةً محاولة اغتياله.

أراد عوض توجيه رسالة من نوع خاصّ لزملاء السجانين في سجن نفحة ليحدثوا بها رفقاءهم في سجن جلبوع.

صنع سكينه بيده وهاجم ضابط الأمن فسدد له عدة طعنات أدت لإصابته بجروح قبل أن يندلع الهجوم بشتى أنواع العذاب نحو الصعيدي.

الأسير المحرر عبادة بلال أكد أن محاولة الأسير أكرم الصعيدي التي طعن فيها ضابط أمن "إسرائيلي" في سجن نفحة ضمّد جرح الكرامة لكافة الأسرى المعزولين.

ويتابع المحرر بلال كافة ملفات الأسرى مع المحامين والمختصين منذ نال حريته في صفقة وفاء الأحرار.

وأضاف: "تلقى عوض ضرباً عنيفاً في كل جسده وعزل انفرادياً وحرم من العلاج والأدوات الكهربائية وقد قال للمحامي صنعت سكيني بيدي وهاجمت ضابط الأمن وأنا أصرخ فعلتها انتقاماً لعباس السيّد وجمال أبو الهيجا".

وأشار أن الشرطة حققت مع أكرم الصعيدي وسألته عن سبب فعلته فأجابهم أن فعلي هذا بسبب التفتيش العاري وعزل الأسرى.

الزوج والأب

يمتلك عبّاس "كاريزما" القيادة وقوّة التأثير في شخصيته وحديثه لمن حوله ناهيك عن تفوقه العلمي منذ كان طالباً في المدرسة.

حصل في الثانوية العامة على معدل 92.6% سنة 1983- 1984م بترتيب التاسع والثلاثين على الضفة المحتلة .

درس بعد الثانوية العامة هندسة الأجهزة الطبية ونبغ فيها ثم سطع نجمه في حماس وجماعة الإخوان المسلمين التي انتمى لها وهو ابن خمسة عشر ربيعاً.

اختار عبّاس السيّد الآنسة إخلاص الصويص زوجةً له لكن اعتقاله المتكرر اخترق سكينة الأسيرة الوليدة فبدأ الاعتقال الأول بعد شهرين من زواجهما تلاه اعتقال أحد عشر شهرا وآخر ستة شهور ثم بتسعة عشر شهراً.

امتهن السيّد هندسة الأجهزة الطبية في مستشفى طولكرم بينما عملت زوجته مشرفة اجتماعية في لجنة الزكاة بالمدينة.

أنجب بعد خمس سنوات طفلته الأولى "مودّة" لكنها لم تهنأ بحنان والدها سوى لأسبوع قبل أن يعتقل في سجون السلطة الفلسطينية عشرين شهراً.

رأت "أم عبد الله" زوجة القائد السيّد فيه شخصاً غير عادي منحه الله قوّة عجيبة وتأثير فيمن حوله.

وأضافت: "هو أب قادر على احتواء الأفراد والكل يحبه لقربه منهم فهو يمتاز بتحليل وفكر سياسي لما يجري محلياً وعالمياً".

وراقبت زوجها منكبّاً لساعات يقرأ كتباً فكرية وتحليلية بينما لاحظت انشغاله بالعمل كمنسق بين الفصائل الوطنية في طولكرم.

وكثيراً ما ألقى كلماته وخطبه الحماسية في جموع المتظاهرين ومشت خلفه الآلاف في طولكرم إيماناً بحسه القيادي.

أما عباس كزوج فلا تزال "أم عبد الله" تذكر سلوكه الديمقراطي في الأسرة وحنانه الزوجي يستمع لها في كثير من القضايا ولا يجد حرجاً في معاونتها في تحضير الطعام وغسل الأطباق.

وتعد أيام الخميس والجمعة أياماً خاصة في حياة الزوجين دأبا فيها على زيارة رحمه من عمّات وخالات ولم ينس يوماً مصافحة والديه ووالدي زوجته وهما في طريقة الذهاب والعودة للعمل.

مودّة وعبد الله

هفت روحه حباً لطفلته الأولى "مودة" وقد اضطر لمفارقتها مبكراً بعد أن رزق بطفله "عبد الله".

عن فراقه لأسرته أضافت:" اعتقل آخر مرة في 8 مايو 2002 وكانت مودة سنتان ونصف وعبد الله سنة وأربعة شهور ومن يومها لم نجتمع".

لم يكن عبد الله يفهم عالم السجون لكن أمه الممنوعة من زيارة أبيه بحجة "المنع الأمني" كانت ترسل به لرؤية والده مع عماته وأعمامه .

وتتابع:" أردت أن يتعلّق عبد الله بعبّاس ولا ينساه فكنت أرسله مع أعمامه وعماته لزيارته وكان يبكي كثيراً لفراقي لأنه صغير جداً لكني كنت أضمد الجرح ليشتد تعلّقه بأبيه وكانت النتيجة مستقبلاً إيجابية".

تلقت "أم عبد الله" التغذية الراجعة لذلك الفعل المؤلم قسراً فقد بدأت الرسائل الواردة من خلف القضبان تخاطب الطفل عبد الله من أبيه بالقول :"أنت سند البيت ورجل المستقبل!".

وأضافت:" بعد الهجوم الذي تعرّض له ومحاولة القتل هناك انتفاخ في أذنه ورأسه ودوخة وزوغان في عينيه وإعياء عام وهو بحاجة ماسّة لطبيب من خارج السجن".

وقالت إن السجانين أخرجوا عباس والأسير محمد عرمان القابع معه في العزل الانفرادي ثم اقتادوا عباس لحجرة مجاورة وهناك انهال عليه 15 سجاناً بالضرب المبرح وهو مكبّل.

النجاة من الموت

وتركز الهجوم والضرب الذي تزامن مع ذكرى عملية "فندق بارك قتل فيها 36 صهيونياً وجرح فيها 150- يتهمه الاحتلال بالمسئولية عنها" خلف أذنه وعلى ظهره وقدميه والمناطق الحسّاسة بقصد قتله.

وعلمت زوجته أن عباس قال لإخوانه الأسرى :" لولا أن الله منحني جسداً على البلاء صابرا لأصابتني إعاقة".

وكانت حجة إخراجه من العزل هي إجراء فحص الحامض النووي لكن السجانين عندما انهالوا عليه ضرباً وقالوا له "سنترك لك إعاقة كي تتذكر ليلة الفصح وماذا فعلت بنا ! ".

وأكدت أن منظمات حقوق الإنسان وأطباء بلا حدود يحاولون إدخال طبيب خارجي لكن إدارة السجون تمنع ذلك بسلسلة إجراءات معقدة.

ودعت وسائل الإعلام للتركيز على معاناة المعزولين انفرادياً فمصلحة السجون تعمدت سجنه مع مجرمين جنائيين وجواسيس لا يكفون عن الصراخ والشجار .

أما العزل الانفرادي القابع فيها عباس من سنوات فلم تمكنه فيه الزنزانة من الصلاة جماعة هو وصديقه محمد عرمان بينما فترة الاستراحة الوحيدة لا تكون في ساحة السجن بل في حجرة أكبر قليلا لا ترى الشمس.

يوميات عبّاس

يتقن عباس ثلاث لغات لكنه يصرّ على الحديث مع السجانين فقط باللغة الانجليزية رغم طلاقته في اللغة العبرية.

ويذكر الأسرى المحررون قصة ضابط المخابرات "ميرون" مع عباس حين عجز عن مجاراته في الانجليزية فقال له: " عقليتك يا عبّاس خسارة في الشعب الفلسطيني".

ينقسم اليوم في حياة عبّاس إلى ثلاثة أقسام الجزء الأول منه لقراءة الصحف ومتابعة وسائل الإعلام والثاني لتلاوة وحفظ القرآن والثالث لكتابة كل ما قرأ.

ومن أشهر كلمات عبّاس لإخوانه الأسرى: "أيها الأسير اخرج من السجن كأنك صخرة ! اهتم بشكلك وهندامك وعطرك ! تعامل مع السجان بدينك وإسلامك".

ويستغل السيّد خلاصة ما قرأه كل يوم من عشرات الصفحات الإخبارية وغريب المعلومات لتعليمها لبقية الأسرى.

وسيخوض القيادي الأسير عباس السيّد الثلاثاء معركة الأمعاء الخاوية برفقة آلاف الأسرى مطالباً بإنهاء العزل وإعادة الزيارة والتعليم والعلاج في جولة يرى فيها الكثير من متابعي الحركة الأسير أنها حاسمة.

اخبار ذات صلة