قائمة الموقع

مقال: المحدودية الدفاعية للقبة الحديدية تحتم العمل الهجومي

2012-05-10T09:53:11+03:00
د. عدنان أبو عامر

تتفق أوساط عسكرية وأمنية (إسرائيلية) بأن ما تعتبرها المضادات الدفاعية، وفي مقدمتها منظومة "القبة الحديدية"، لا ولن تتمكن من حماية العمق في حال اندلاع مواجهة شاملة تتعرض خلالها دولة الاحتلال لقصف صاروخي من عدة جبهات، مؤكدةً على أن المضادات الدفاعية غير قادرة على صد الصواريخ التي ستقوم بإطلاقها المقاومة اللبنانية.

كما أن النجاح النسبي الذي حققته القبة في المواجهة الأخيرة مع التنظيمات في غزة، لا يُمكن أنْ تنسحب على المواجهة القادمة، إلى جانب أن (إسرائيل) ستقترب من حالة منع الصواريخ من السقوط في أراضيها فقط إذا توفرت لديها منظومات صواريخ "حيتس" 2 و"حيتس" 3 و"العصا السحرية"، ذلك أن القبة تم تطويرها من أجل الدفاع عن جنوب (إسرائيل) فقط.

وبالتالي فإن عدم التكافؤ في القوى بين (إسرائيل) والفلسطينيين يمنح الأولى فرصة ممتازة للدفاع عن نفسها، مما يجعل من منظومة "القبة الحديدية" مخصصة للدفاع عن مواقع مختارة كالمطارات والمدن، لكنها كـ"قبة"، لا تغطي كل الرأس، وعليه فإنها لا تسمى "خوذة حديدية".

ولذلك أوعزت قيادة الجيش إلى هيئة الصناعات العسكرية بالاستعداد لتصعيد إنتاج صواريخ منظومة قبة حديدية ستكون جزءً من الجدار الحديدي العسكري ضد التهديدات الباليستية على أنواعها: من الصواريخ والمقذوفات الصاروخية، ويشمل الرد (الإسرائيلي) من النموذج الجديد للقبة الحديدية اعتراض المقذوفات وصواريخ "حيتس" لاعتراض الصواريخ بعيدة المدى، وهو رد هادف بتمويل أمريكي واضح، وستنتمي هذه المنظومة الجديدة لمنظومة الدفاع الجوي، المضادة للطائرات سابقا، والمسئولة عن اعتراض الطائرات والصواريخ على حد سواء.

وعلى مدى بضعة أيام، تمكنت "القبة الحديدية" من اعتراض مقذوفات أكثر مما تمكنت منظومة أخرى من الدفاع الجوي، فمنظومة صواريخ "هوك"، مثلاً، أسقطت طائرات على مدى وجودها في الجيش من منتصف الستينيات، أما "القبة الحديدية" فاعترضت مقذوفات أصغر بكثير من الطائرة، لكنه هدف لا يمكن له ان يدافع عن نفسه مثلها، بالمناورة الجوية مثلاً.

حرية النار

وكما أن الطائرة ليست لمرة واحدة كالمقذوفة الصاروخية، يمكنها أن تحمل وزنا من القنابل أكثر بكثير، وعليه فلا زال أمام منظومة "هوك" ما تتباهى به، رغم أن انتشارا كاملا لمنظومة القبة الحديدية لن يمنح غطاء كاملا من الصواريخ الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة، والأسباب متنوعة: كنقاط خلل فنية كجزء من "أمراض الطفولة" للمنظومة، والأخطاء البشرية.

ورغم أن القبة الحديدية يفترض بها عند الحاجة اعتراض طائرات في المدى القصير، مما يمنحها التنوع، لكنها لا تستهدف إسقاط طائرة كفيلة بأن تفتح النار، بل مقذوفة صاروخية تحمل قنبلة توجد في الطريق نحو هدفها، ما يعني أن المهمة الدفاعية الصرفة لمنظومة القبة الحديدية، تؤكد أهمية "حرية النار" للاعتراض والهجوم على طواقم، ومواقع إطلاق المقذوفات الصاروخية، وفقاً لما تسمى "العقيدة الكلاسيكية للجيش"، وما تعنيه من نقل القتال إلى ارض الخصم.

ومع كل الوزن والأهمية للاعتراض الدفاعي، فإن الهجوم ليس فقط كفيل بأن يحقق ذات الهدف، كإحباط ضربة المقذوفة الصاروخية، بل والمس بمطلِق المقذوفات وفريقه، لأن نتيجة كهذه ستوضح لطواقم إطلاق المقذوفات بأنه يحتمل ألا يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة بعد المهمة، حتى لو تمت.

وبالتالي فإن بعضهم سيمتنع مسبقا عن التضحية بالذات، حتى لو وافقوا على الخروج للمهمة، فلعلهم يعملون على عجل، وبشكل مشوب بالخلل، الأمر الكفيل بأن يشوش، بل وأن يمنع إطلاق النار. مع العلم بأن قطاع غزة هو خلية أرض ضيقة نسبياً محوطة بكاملها تقريبا من الجيش: براً وبحراً، وبالتأكيد من الجو، وهذه الميزة، إلى جانب تطوير مستوى منظومة "حرية النار" كفيلة بأن تُصعد قدرة (إسرائيل) على أن تكشف في موعد مسبق، وتُحدد بشكل موضعي وانتقائي إطلاقات للمقذوفات في ظل الضرر الأدنى للمدنيين.

وكل ذلك يحتم تطوير وسائل القيادة، الرقابة، التحكم، الاستخبارات والنار، لمنظومة "حرية النار"، وعلى مدى السنين ركز الجيش على الهجوم على حساب الدفاع، الأمر الذي كان منطقيا لمرات عديدة، ولا يزال إهمال الدفاع يكلفنا ثمنا باهظا، كما في بداية حرب يوم الغفران، أما الآن فيجب الامتناع عن وضع تشديد مبالغ فيه على الدفاع في إطار "القبة الحديدية"، وإهمال الهجوم المتمثلة بمنظومة "حرية النار".

 

اخبار ذات صلة