قائمة الموقع

سنة أولى تهجير.. شعور الضياع والأمل

2012-05-14T09:02:10+03:00
صورة ارشيفية لهجرة الفلسطينيين من بلادهم
غزة - أمل حبيب

في خيمة اللجوء اختزلوا معالم وطنهم المسلوب, وما علق في الذاكرة من أيام البلاد.. منهم من انشغل بمسح فوهة البندقية ذات المقبض الخشبي, والآخر اكتفى بتفقد مفتاح الدار في جيبه على أمل أن تنجده الجيوش العربية ليعود إلى وطن هناك.. في المخيم تداعب وجوه اللاجئين البائسة نسمات البيدر فتنتعش بها ذكريات بئر القرية وجلسات الصبايا حوله وما يتخلله من مناوشات طريفة بين حين وآخر.. هذه ملامح الحياة في السنة الأولى لتهجير الفلسطينيين بعد نكبة 1948 وما تخللها من شعور الضياع والحرمان ممزوجا بنفحة أمل أبقت حلم العودة حيا بأفئدتهم.

غربة وطن

انتزعت من الإنسان الفلسطيني حريته وسيادته وهويته، وفقد مصدر رزقه وقوت يومه، واقتلع ابن الأرض من أرضه وشرد في أماكن مختلفة من هذه الأرض.

وبعد النكبة الفلسطينية حدثت تغييرات على بنية الشعب الفلسطيني بتشكل طبقة جديدة غير متجانسة اختلطت فيها طبقات الفلاحين مع ملاك الأراضي والعمال وأرباب العمل.. والفقير مع الغني.. وابن المدينة مع ابن الريف.. لتتشكل في المجمل طبقة سميت "اللاجئون".. وما تزال.

الحاج أبو صلاح عبده من مواليد 1921 ويعتبر أحد المعاصرين لما حدث في النكبة يقول لـ"الرسالة": "عايشت النكبة رغم أنني من غزة, فهاجرت مع اللاجئين وعشت أصعب اللحظات التي عايشوها من فقر وذل وخوف".

الحاج عبده توجه في صباه إلى البلدات والقرى المجاورة للقطاع ليعمل لدى أهلها بأراضيهم الزراعية.. ويضيف: "كان وضع عائلتي الاقتصادي صعبا للغاية مما دفعني للعمل لدى (اللاجئيين) الذين كانوا في ذلك الوقت من ميسوري الحال". 

كل بداية صعبة.. معادلة تختلف فرضياتها بالنسبة للمهجرين, ففي السنة الأولى كانت نسبة الأمل في قلوبهم كبيرة، والوطن كان أقرب.

ويرى التسعيني عبده في هذا السياق أن السنة الأولى للتهجير لم تكن الأصعب على اللاجئ, مبينا أن السبب كان أملهم بالعودة القريبة, وانتظارهم لنصرة الجيوش العربية.

في حين ذلك تعتقد الحاجة الثمانينية أم عماد عقل -من قرية برير- أن أول عام لتهجيرها وأهلها كان الأصعب, وذلك لما ذاقوا من مرارة، وخصوصا أنهم انتقلوا من أصحاب ممتلكات وأراض إلى عتالين في أراضي "الأفندية".

"

بعد النكبة الفلسطينية حدثت تغييرات على بنية الشعب الفلسطيني بتشكل طبقة جديدة غير متجانسة اختلطت فيها طبقات الفلاحين مع ملاك الأراضي والعمال وأرباب العمل

"

وتقع برير على بُعد يتراوح بين 20-21 كم شمال شرق غزة، وعلى بعد  19 كم جنوب غرب الفالوجة.

ولم تنس أم عماد المقيمة في مخيم جباليا طريق بيتها في برير.. فتقول: "اشتقت للخلا وشجر الزيتون والتين.. كل يوم بحلم إني بحصد في الأرض", وقاطعها زوجها أبو عماد وهو يقول: "المفروض ما قبلنا المؤن من وكالة الغوث, لأنها تسببت بإضعافنا ونسيان كثيرين منا لحق عودته".

الجدير ذكره أنه ومنذ الأيام الأولى لعمليات الطرد الجماعي للفلسطينيين أمنت الهيئات الخيرية المحلية الحاجات الضرورية لهم إلى أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن من كانون الأول عام 1949القرار رقم 302 الذي تقرر فيه تأسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا), وباشرت (الأونروا) أعمالها بالإغاثة في أيار عام 1950.

من ريحة البلاد

على وجوههم ترك الأسى بصماته, وقلوبهم يعتصرها الألم شوقا للوطن المسلوب.. في مخيم الشاطئ حيث اللجوء ورائحة الغربة يسكنان الحاجة أم نعيم صالح 84 عاما المهجرة من قرية السوافير الغربية التي تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة غزة على بعد 30 كم, وسقطت السوافير على يد المنظمات الصهيونية، فشرد أهلها، وأقيمت على أراضيها مستوطنتان.

القرى الفلسطينية سقطت واحدة تلو الأخرى, وقبل أن يصل الدور على السوافير الغربية كانت الحاجة تتألم عند رؤيتها للمنكوبين من البلدات الشمالية وتدعو لهم بالصبر وهي تردد: "يا ويلي عليهم طردوهم من بلادهم.. الله يصبرهم".

لم تعلم الثمانينية صالح وقتئذ أن قريتها ستسقط أيضا, ورغم رفض أهالي البلدات التنازل بسهولة عن أرضهم وقرار الدفاع والمقاومة فإن القرى بدأت تتساقط واحدة تلو أخرى في معارك غير متكافئة, وقد ارتكب الجيش الصهيوني مجازر بشعة في المناطق المحتلة.

وأوضحت أم نعيم أن أول سنة لها بغزة كانت تحمل بين طياتها ألما كبيرا، وخصوصا أن زوجها المرحوم أبو نعيم كان يتسلل عبر الحدود ليلا، "ويشارك الفدائيين والمجاهدين, ويقطف بعض سنابل القمح لسد جوع صغاره". 

تجاعيد وجه صالح المعقدة كانت كما رحلتها في التهجير, فبعد رحلة شاقة وصلت قرية الفالوجا ووضعت طفلتها هناك، وبعد عدة أيام ماتت ابنتها في خيام المهجرين بفعل سنة (الثلجة الكبيرة).

وبعد النكبة توزع اللاجئون الفلسطينيون في خمس مناطق أساسية لم تتجاوز في بعدها عن أماكن سكنهم الأصلية بأقصى حد (100 كم)، ويرد ذلك إلى الوعود التي قطعت لهم بالعودة إلى قراهم ومدنهم وبلداتهم في أقرب وقت ممكن، وهذه الوعود قدمتها لهم الجيوش العربية التي جاءت للتحرير، والأمم المتحدة ممثلة بالقرارات الدولية الصادرة عنها.

أما بالنسبة للعلاقة بين اللاجئ والمواطن في العام الأول من النكبة فيقول الحاج عبده على حد تعبيره: "معاملة الغزازوة كانت ممتازة مع المهجرين (...) دعموهم ماديا ومعنويا "، غير أن الحاجة أم نعيم قالت: "في البداية كان بعضهم يمتعض من وجودنا على أرض غزة, والآخر رحب بنا".

انتهت السنة الأولى للتهجير ووضع الحجر الأول للمخيم، وتغيرت ملامح الحياة بعد أن بات كرت المؤن الهوية التي تلازمهم, ولكن حلم العودة للبلاد ما زال حيا في قلوب من عاصر النكبة واكتوى بنار "التغريبة الفلسطينية".

اخبار ذات صلة