كتب المحرر المسئول
لا يمكن فصل النتائج التي وصلت اليها معركة الاسرى بعد 28 يوما من الاضراب عن الطعام عن تجربة صفقة وفاء الاحرار في اكتوبر 2011 الذي فرضت قضية الاسرى على الاجندة الوطنية, لا يمكن تجاهل روح الربيع العربي التي هبت نسائمها من خلال حجم التضامن العربي والدولي مع معركة الامعاء الخاوية.
وأمام كل ذلك فقد اكدت المقاومة انها عنصر الحسم الذي دفع الكيان الى التفكير بخروج آمن من المعركة خشية تطورها الى مواجهة لا يمكن التنبؤ بتداعياتها.
منذ صفقة وفاء الاحرار والسجون تعيش حالة من الاستنفار.. فخروج اكثر من 1000 من رفقاء الاسر رفع معنويات الاسرى من جانب, وزاد الدافعية لديهم من جانب آخر لاستغلال الصفقة باتجاه تفعيل قضيتهم على مختلف المستويات, وهو ما تترجم لدى فصائل المقاومة في الخارج التي ارتفعت درجة الحساسية لديها اتجاه القضية.
المعطيات السياسية في غزة والضفة في ظل الانقسام والتهدئة وانغلاق افق التسوية السياسية مع الاحتلال مثلت رافعة لقضية الاسرى لدى الفصائل, التي باتت ترى فيهم بديلا يعيد حالة التعبئة الايجابية لجماهيرها بعدما مرت في فترة تعبئة سلبية, كما ان سقف التهدئة لم يعد مفتوحا الى ما لا نهاية وترى فصائل المقاومة ان "الاسرى: قضية عادلة تستحق التضحية بالتهدئة, هو العامل الحاسم الذي اعتمد عليه الاسرى في مطالبهم واضرابهم ..فقد أدى تلويح المقاومة بخيارتها العسكرية الى وضع معركتهم على رأس اولويات القيادة السياسية والعسكرية (الاسرائيلية) التي اصبحت الخيارات امامها محدودة, فإما المواجهة وإما المواجهة.
المفاوضات بين ممثلي الاسرى والاحتلال خلال الاضراب استلهمت دروس تجربة مفاوضات صفقة وفاء الاحرار التي امتدت لسنوات, رغم الفارق في المعطيات في الحالتين, وعليه فان التلاعب (الاسرائيلي) بالاتفاق الاخير وارد جدا مستغلا أي ثغرة او حالة التبريد التي تمر بها بشكل تلقائي كما حدث في اتفاق صفقة وفاء الاحرار.
الدعم الخارجي للأسرى ومطالبهم اتسع هذه المرة بحيث تم تسخير معظم امكانيات الفصائل وعلى رأسها حماس والحكومة متمثلا في الاعلام التحركات السياسية والتضامن الشعبي الى جانب دفع القضية الى عواصم عربية ودولية واجبار مؤسسات اقليمية كالجامعة العربية والدولية مثل الامم المتحدة ان يكون لها صوت يكسر حالة الاستفراد (الاسرائيلي) بالأسرى وحال دون ارتكاب جرائم كان يمكن ان يفلت منها الاحتلال في حال بقيت القضية في الاطار الفلسطيني
والمهم اليوم هو استخلاص الدروس والعبر من نتائج هذه المواجهة التي بالتأكيد لن تكون الاخيرة ويمكن تلخيص ابرزها على النحو التالي:
قضية الاسرى بدأت تأخذ بعدها الاقليمي والدولي وعليه يجب استغلال اجواء الربيع العربي من اجل دفعها للأمام وعدم الاقتصار على الحملات الموسمية, ويجب اعداد خلية دعم دائمة تخرج من الاطار التقليدي الرسمي من خلال مؤسسات حكومية او لجان فصائلية الى اطار اوسع يعتمد على نتائج الانتصار الاخير.
الاسرى بدأوا مسيرة الحرية وهبتهم الاخيرة سوف تتكرر, وهم لن يقبلوا بعد اليوم ان يتم وضع قضيهم في المراتب الدنيا للاهتمامات الرسمية او الفصائلية, من ينشغل عنهم في قضايا ادارية او سياسية سوف يخسرهم وسوف يتحمل تبعات ذلك على المستوى الجماهيري وتداعيات ذلك المستقبلية على الساحة النضالية الفلسطينية.
لقد اثبتت تجربة الفصائل ان القضايا الوطنية الكبرى مثل قضية الاسرى هي المسار الطبيعي لوجودها وفعلها لأننا نعيش في مرحلة تحرر وطني وان تبعات السلطة والحكم قبل التحرير شكلت ما يشبه الحبل الذي يلتف حول عنقها ويشده الاحتلال كلما حاولت ان تخوض معه مجابهة, وعليه يمكن ان تمثل الثوابت الوطنية فرصة للمراجعة الداخلية, والخروج من الازمات الحالية ومنها معضلة الانقسام.
المقاومة المسلحة اثبتت قدرتها على استثمار القوة دون استخدامها عندما وضعتها الفصائل وتحديدا (حماس والجهاد) على اجندتها في مواجهة التعنت الاسرائيلي, وهي رسالة قرأتها المستويات السياسية والعسكرية جيدا وعلى ضوئها اتخذت قرار الموافقة على معظم مطالب الاسرى, ومن المهم الاستمرار في توظيف هذه القوة وعدم اهدارها في معارك تستنزفها من خلال موقف جماعي يقرر الذهاب للتهدئة او المواجهة.
يجب البناء والمراكمة على شكل جديد من اشكال المفاوضات مع الاحتلال كما حدث في صفقة وفاء الاحرار وانتصار الكرامة, واعتباره النموذج الافضل للتعاطي مع الاحتلال واستثمار جهود الوساطة والاطراف المشاركة في الاتفاقات حتى لا تتحول الثنائية الفلسطينية (الاسرائيلية) حالة استفراد ومفاوضات دون ضمانات كما هو الحال في مفاوضات التسوية بين الاحتلال والسلطة على مدار نحو عشرين عاما.
خلال المواجهة المقبلة مع الاحتلال في القضايا الوطنية مثل "الاسرى" يجب تجنيد كل اذرع وامكانات المقاومة وعدم قصرها على لون واحد, وخلق حالة من التكامل بينها والتوحد على موقف جماعي يضم الاطار السياسي والاعلامي والعسكري
ان الاوان ان يتحول الاسىرى الفلسطينيون الى حالة رمزية عالمية توازي تضحياتهم فقد كان الرقم القياسي للإضراب عن الطعام محفوظاً للمناضل الإيرلندي، بوب ساندز الشاعر والقيادي الشاب في الحزب الجمهوري الإيرلندي دخل التاريخ البطولي لحركات التحرر من أوسع أبوابه حين قاد إضراباً مفتوحاً عن الطعام في السجون البريطانية. طالب ساندز، 27 عاماً، بالتعامل معه ومع زملائه كسجناء سياسيين لا كجنائيين، وبدأ تحت هذا المطلب إضراباً عن الطعام في أول آذار عام 1981، استمر 66 يوماً، فارق الحياة بعدها. واصل زملاؤه الإضراب وتوفي تسعة منهم على التوالي، قبل أن يُعلن فك الإضراب في 3 تشرين الأول إثر تجاوب الحكومة البريطانية مع مطلبهم. تحول ساندز بعد وفاته إلى أيقونة في المسيرة التحررية لحزبه وحضر جنازته أكثر من 100 ألف شخص.
يذكر أن الأسيرين ثائر حلاحلة وبلال ذياب دخلا اليوم السابع والسبعين قبل فك الإضراب عن الطعام. وعليه فان الاسير الفلسطيني حالة نضالية تاريخية
وأخيرا يجب عدم الوقوف طويلا عند الانتصار الذي حققه الاسرى في معركتهم والاستعداد للمرحلة القادمة.