قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: فسادٌ الكل فيه سواء

الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف
الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف

مصطفى الصواف

النائب العام في رام الله يقدم مذكرة إلى "الانتربول الدولي" بضرورة القبض على محمد رشيد العراقي الكردي الذي عمل مستشارا اقتصاديا للراحل ياسر عرفات بفعل التهم الموجهة إليه بنهب ملايين الدولارات من قوت الشعب الفلسطيني سواء نقدا أو باستثمارات باسمه من أموال الشعب الفلسطيني.

محمد رشيد لم يتردد بدوره في اتهام السيد محمود عباس -رئيس حركة فتح- أيضا بالفساد وسرقة أموال الشعب الفلسطيني الأمر الذي أغضب أبا مازن، ولم يكن رشيد أول من اتهم عباس بالفساد وسرق أموال الفلسطينيين والثراء الفاحش هو وولداه بل سبق وأن اتهم محمد دحلان عباس بالتهم نفسها التي اتهمه بها رشيد، وذلك عندما اشتد الخلاف بينهما.. وهكذا تدور الاتهامات المتبادلة عندما يختلف الشركاء.

الاتهامات بالفساد والسرقة لم تتوقف عند رشيد ودحلان فقد سبق وأن اتهم بها أبو شباك والجبالي وشعث وعدد كبير من قيادات السلطة ووزراء في حكومات متعاقبة، وما زالت قضايا البعض مفتوحة على طاولة المحاكم أو في النيابة العامة، وحتى فإن هناك وزراء في الحكومة الجديدة التي شكلها محمود عباس في رام الله تطالهم تهم الفساد والسرقة وتبذير المال العام.

والسؤال: هل باتت الحكومات الفلسطينية محضنا للفساد والسرقة؟.. ومن منظمة التحرير وما جرى في أموال الصندوق القومي خير دليل على ذلك، وأبرز المتهمين جويد الغصين على سبيل المثال بل طال الأمر فاروق القدومي وكذلك سها عرفات.

إلى هذه الدرجة أصبح المال الفلسطيني سائبا بلا رقيب أو حسيب، أم إن هذا المال من كثرته لم يمكن أولي الأمر من إحصائه والحفاظ عليه حتى يتعرض إلى هذه المفسدة الكبيرة والسرقة؟، أم أن من تولى أمر الشعب الفلسطيني على مدى سنوات طويلة هم في الأساس فاسدون ولصوص ووجدوا من يشجعهم على ذلك من أجل شراء مواقف سياسية وتغطية صفقات سياسية مشبوهة كأوسلو مثلا أو العملية السلمية كمثال آخر؟.

غياب المؤسسات الرقابية يؤدي إلى أكثر من ذلك، فكما يقول مثلنا الشعبي: (المال السايب بيعلم صاحبة السرقة)، والأموال الفلسطينية اليوم مال سياسي مدفوع لشراء ذمم وشراء نفوس لتنفيذ سياسات محددة الداعمُ بحاجة لها، وهذا الداعم يعلم أن جزءا من هذا المال يذهب إلى جيوب المسؤولين على أعلى المستويات، وإلا فهل هناك رد ممن زادت ثروتهم بفحش في سنوات قليلة وهم عندما وفدوا إلى البلاد ما حمل أغناهم أكثر من (بقجة) ملابسه وبضع دراهم معدودة من بقية راتب عادي كأي موظف، ثم في أقل من سنوات عشرة باتت رؤوس أموالهم تعد بالملايين، ومشاريعهم الاقتصادية بلا عدد، وشركاؤهم أبناء مبارك وزوجة زين العابدين؟!!.

لا تستغربوا كثيرا مما تسمعون ومما ستسمعون في المستقبل من ظهور مختلسين جدد وفاسدين وناهبين لأموال الشعب الذي قدم الشهداء والدماء وعاش القهر والفقر.. طالما هناك غياب للرقابة الفعالة والمحاسبة بكل أشكالها وألوانها.

ما يكشف عنه درس يجب أن نتعلمه جيدا، فعلينا أن نفعّل الهيئات الرقابية على المال العام، فالفساد ليس فقط سرقة المال، لأن له صورا كثيرة أكثرها بروزا على السطح سرقة الأموال، ولكن الفساد قد يأتي من أبواب مختلفة إداريا ووظيفيا عبر استغلال المنصب والمكانة لتحقيق مكاسب شخصية دون أن يكون هناك سرقات مباشرة، وهذا كله باب من أبواب السرقات.. أو الدخول في صفقات تحت ذريعة التجارة أو (البزنسس) لسرقة أموال الشعب وإضاعة حقوقه.

وحتى لا نقع في المحظور علينا أن نفعل الرقابة والشفافية والمحاسبة في كل الأمور، لأن القليل مع القليل يصبح كثيرا، وعندما يستمري الفرد القليل من الحرام فلن يجد حرجا أو غضاضة في كثير من المال يسرقه ويعتبره في الوقت نفسه مالا حلالا جمعه بجهده وهو يعلم أنه لولا وجوده في هذا المنصب أو ذلك ما كان له أن يحصل على هذا المال.

البث المباشر