جذورها متشبثة بالأرض كما ابن وطنها الفلسطيني، وفروعها تمتد لتحتضن من حولها في مشهد للوحدة الوطنية التي تُفتقد.. تتألم شجرة الزيتون كما يتألم صاحب الوطن المسلوب؛ فكلما نظر إليها المحتل ورأى صمودها وكبرياءها يزداد عليها بالضربات من تجريف وسرقة، ولكن أوراقها الخضراء لا تذبل رمزا للبقاء والصمود.
تتراقص أغصانها وتنتعش فرحا حين "يدندن" لها أبناء فلسطين: (على دلعونة على دلعونة.. زيتون بلادي أجمل ما يكونا)؛ لما لها من قيم اجتماعية وتراثية ارتبطت بالتاريخ والخير والبركة.
الروح المعنوية
"هي الروح المعنوية العالية للفلسطيني.. هي التي تزيده عزة وكرامة للتمسك بأرضه وحقوقه".. بتلك الكلمات وصفت الحاجة أم فؤاد عواجة (65 عاما من حي التفاح بغزة) شجرة الزيتون, مبينة أن الزيتون ترمز إلى تمسك الفلسطيني بأرضه وحقه.
وتصف الحاجة أوراق شجرة الزيتون قائلة: "ورقتها خضرا دايما.. عمرها ما بتموت (...) هي تزيد رصيد الفلسطيني فخرا وعزة بصمودها".
وفي الزمن الماضي كان لا يكاد بيت فلسطيني يخلو من وجودها لما لها من مكانة متميزة في حياة الفلسطيني, ولما يتميز به زيتها من فوائد عديدة اكتشفها العلماء وعرفها الإنسان بخبرته الطويلة مع تلك الشجرة وثمارها.
وعند سؤال (الرسالة نت) لها: ماذا تشعرين وشجرة الزيتون تظلك بظلها؟ أجابت الحاجة الستينية: "شعور جميل جدا، وكأني أملك الدنيا بأكملها"، وتابعت بعد تنهيدة فصلت بين الزمن الأصيل والزمن الحالي: "يا ريت ضلوا الناس يزرعوها ببيوتهم".
وتعمل عائلة الحاجة عواجة منذ عدة سنوات في زراعة أشجار الزيتون وحمايتها وجنيها أما الحاجة أم فؤاد فتشتهر بتميزها في تخزين الزيتون وتمليحه بأنواعه المختلفة.
"وفي الزمن الماضي كان لا يكاد بيت فلسطيني يخلو من وجودها لما لها من مكانة متميزة في حياة الفلسطيني
"
وتحتم علينا شجرة الزيتون المباركة الحفاظ عليها، فهي التي أقسم بها الله في بداية سورة التين بقوله تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ {1} وَطُورِ سِينِينَ {2} وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ).
وتغطي شجرة الزيتون ما يقارب 45% من مساحة الأراضي الزراعية في فلسطين، وتعتبر الشجرة الأكثر انتشارا، فمساحة الزيتون تبلغ حوالي 80% من مساحة الأراضي المزروعة بالأشجار المثمرة.
وتجدد الحاجة عواجة في موسم قطف الزيتون عزتها وحبها للشجرة, وفي هذا الصدد أوضحت أنها تنتظر موسم القطف في شهر سبتمبر, وتستعد وأهلها لتجهيز "الخيش" والعصي والسلالم التي تساعدهم في جني حبات الزيتون.
وتجري عملية القطف في معظم البساتين يدويا أو باستخدام أمشاط يدوية صغيرة أو بالعصي، وتشكل الزيتون 20% من الاقتصاد الفلسطيني.
وأكدت أم فؤاد أن وجود شجرة الزيتون في البيت بركة وخير قائلة: "الي عنده زيتون بالبيت عمره ما بنام وهو جعان", مستذكرة المثل القائل: "من غير الزيت ما بعمر البيت".
أما بالنسبة لتصعيد الاحتلال هجومه ضد الزيتون والمسارعة لسرقة ثمارها من الكروم الفلسطينية المحاذية للمستوطنات والجدار فبينت الستينية عواجة أن الاحتلال متخوف دوما من شجرة الزيتون، "لأنها صامدة، وجذورها تبقى مغروسة بأرض الوطن، مما يدفعه إلى تجريف بساتين الزيتون".
"وتجري عملية القطف في معظم البساتين يدويا أو باستخدام أمشاط يدوية صغيرة أو بالعصي
"
وفي الوقت الذي يخوض الاحتلال فيه معارك واعتداءات دموية ضد الفلسطينيين فإنه يشن حربا حقيقية على الأرض الفلسطينية بالمصادرة والتجريف لبيارات الحمضيات.
وقالت الحاجة أم فؤاد في هذا الإطار بعد أن زفرت أنفاسها بالآه: "يخلعونها من هنا ونحن سنعيد زراعتها من جديد", وأضافت: "أوصاني والدي رحمه الله على زيتون بلدتي يبنا (...) أنصح الأهالي بغرس حب شجرة الزيتون في قلوب صغارهم حتى يعتادوا على رعايتها والتمسك بأرضهم كما تفعل الشجرة".
انتهت حكاية شجرة الزيتون وما زالت جذورها متشبثة بالأرض كأن لسان حالها يردد: "سوف نبقى هنا".