حتى أنت يا ضايع؟!! كيف وصلت دعايات الانتخابات في مصر إلى أذنك قبل أن يصلها الماء والصابون؟! قل لي: وماذا سمعت أيضاً؟ قال: سمعت أن إحدى الصحف المصرية نشرت تقريراً عن خطر حماس على استقرار سيناء، وأن هذا الخطر سببه الإخوان المسلمون، وأن الإخوان سينقلبون على الوضع. قال: أي وضع؟ قال لا أدري ولكن يقولون إنه مثل انقلاب حماس عندما انقلبت في مثل هذا الشهر عام 2007م. قال: سمعت كل هذا، وما زلت تشهر بحماس، ألا تخشى أن تقلب الشرطة صندوق سجايرك المهربة على رأسك؟ قال: لماذا قطيعة الرزق؟ قال: لأنك تكذب. قال: أنا لا أكذب ولكن أنحدث بما سمعت. قال: كفى بالمرء كذباً أن يتحدث بكل ما يسمع. قال: كل الناس تسمع وتتحدث، وتحلل، أليس من حقي أن أتحدث كغيري؟ قال: من حقك، ولكن ليس من حقك أن تبيع الدخان المهرب. قال: رزقة. قال: ألست موظفاً. قال: زيادة الخير خير. قال: وزيادة الشر؟؟
دار هذا الحوار بين الأستاذ محمد وبائع الدخان المهرب الجندي سابقاً في الأمن الفلسطيني سليم الملقب (سوسة الفول)، وذلك عندما كان سوسة الفول يشرح لمجموعة من العاطلين الجاعصين في ظل صندوق السجاير المهربة التي يبيعها أخبار صناديق الانتخابات المصرية وسيناريوهات نتائج هذه الانتخابات، حيث لم يخف أمله الشديد في فوز المرشح أحمد شفيق على مرشح الإخوان مرسي، وذلك لأنه يربط بين الإخوان وحماس، وهو يعتبر حماس العدو الأول له ولأرباب نعمته (كما يقول)، كما أن فوز الإخوان خطرٌ على تهريب الدخان والأشياء الأخرى التي يسترزق من ورائها.
قال الأستاذ محمد: ولكن إذا فاز شفيق فسيمنعون التهريب تماماً، وربما أعادوك إلى عملك تحت حكومة حماس بعد المصالحة. قال: لا قدّر الله. قال الأستاذ: ولكن أريد أن أسألك بصراحة: هل هذا التحليل من رأسك أم أن أحدهم عمم عليك وعلى أصحابك ذلك وحرضك على قوله، أو ربما هددك بقطع راتبك قال: هذا ما أقتنع به، ولا تسألني أسئلة صريحة أكثر من ذلك، ولا تظن أنك أفهم من الناس لأنك أستاذ!! ما أجمعه من وراء هذا الصندوق أكثر من ضعف راتبك، وإذا أردت أن أعلمك السياسة فأنا جاهز. إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ثم سحب سيجارة وأشعلها بارتباك وغضب، قال الأستاذ: الله أعلم بمن اتقى، ولكن استغرب كيف تريد فوز نظام مبارك وهو الذي شدد الحصار على غزة، وتواطأ على ضربها. قال: (إسرائيل) لم تضربكم من فراغ. قال الأستاذ: (إسرائيل) ضربت الشعب ولم تضربنا، نحن دافعنا عن الشعب، ولنا الشرف، وهذا واجب علينا، قال وهو "يصفّط" علب السجائر بقلق، وقد "دار بوزه" جانباً: عدو عدوي صديقي، ألم تطلب مني أن أكون صريحاً. ضحك الأستاذ وقال: إلى هذا الحد أنت حاقد؟ قال: وأكثر. قال: والمصالحة؟ قال: لا أثق بالمصالحة، ولا أعترف بمن وقعوها، لأنهم لا يمثلون حركة فتح، حركة فتح التي نعرفها ونعرف زعيمها قريباً ستعود، أما تنظيم شعث، فلا يمثلني. قال: كشفت عن تيارك يا سوسة الفول. شفط سوسة الفول نفساً عميقاً من سيجارته، وقال: لا تزعل من صراحتي، وأنا عبد مأمور، والوضع صعب، والجماعة قاموا بانقلاب جماعي على زلمتنا، ولكن سيعود رغماً عن الجميع، ولا مصالحة بدونه، قال الأستاذ: يعني أنكم تريدون مصالحة على يد زلمتكم؟ قال: لا أدري ولا أريد أن أدري. ولو سمحت كفى.
نفض الأستاذ يديه من غبار الأرض التي جلس عليها إلى جانب صندوق سوسة الفول، وقام مفسحاً المجال لأحد الزبائن الذي جاء لاستلام تموينه من الصندوق، قال: صراحتك أسوأ من فهمك يا سوسة.