قائمة الموقع

الإعلامي الفلسطيني..في دائرة الاستهداف

2010-01-02T17:58:00+02:00

غزة/لميس الهمص

حمل الكاميرا على كتفه مسرعاً إلى قلب الحدث ليوثق نهاية حياة عائلة استهدفتها طائرات الاحتلال في منطقة المقوسي بمدينة غزة ، إلا أن إجرام الاحتلال لم يمهله كثيرًا، فعاجلته الطائرات بصاروخ آخر هز المكان.

وارتطم جسد المصور ماهر المدهون بالأرض وتخضبت الكاميرا "المتمردة" بدماء صاحبها.

في مهنة المتاعب كان المدهون الذي يعمل مصورا بفضائية الأقصى يبحث عن الحقيقة ليخبر بها العالم المتغني بالحرية وحقوق الإنسان، فكانت النهاية صاروخا أصابه وتسبب في بتر ساقه وتهتكا شديدا في الأخرى.

لم يكن المدهون الصحفي الوحيد الذي أصيب في الحرب على غزة، فقد استشهد أو اصيب العديد منهم، ليس لشيء سوى لأنهم يبحثون عن الحقيقة.

طمس الحقيقة

تحيي غزة الذكرى الأولى للعدوان مغموسة برائحة الدم والنار، ومحفوفة بمشاهد الألم والإصرار لتخبر بانتهاكات مورست بحق صاحبة الجلالة.

المصور المدهون قال "للرسالة نت": في اليوم الرابع العشر من شهر يناير من العام الماضي توجهت لتصوير استشهاد رجل وزوجته وعدد من الجرحى في أبراج المقوسي شمال القطاع"،

وتابع واصفاً لحظة إصابته: بعد عشر دقائق من التصوير استهدفت قوات الاحتلال المكان بصاروخ آخر أصبت على أثره أنا وعدد من أفراد الدفاع المدني، فتسبب القصف ببتر قدمي وتهتك الأخرى".

ويعود المدهون بذاكرته لأيام عصيبة قضاها في تغطية الحرب فيتحدث عن مشاهد الأشلاء التي دفنت تحت الركام بعد قصف المنتدى ، كما أن منظر أشلاء الأطفال والعائلات التي أبيدت بأكملها لازال عالقا في ذهنه حتى اللحظة.

ماهر الذي يعمل في فضائية الأقصى وصف العمل أثناء الحرب وبعد قصف مقر الفضائية بالصعب ، فكانوا يتخذون من قارعة الطريق قبالة المبنى نقطة تجمع لهم ينسقون منها للبث وتقسيم العمل.

ولم يخف القلق الذي كان ينتابه والكثير من الصحفيين على عوائلهم وقت الحرب في ظل ندرة للاتصالات في تلك الفترة.

وتمنى المدهون أن يعود إلى عمله مصورا بعد استكمال علاجه الذي بدأه في جمهورية مصر.

يذكر أن قوات الاحتلال استهدفت عددا من الصحفيين الذي قضوا شهداء وهم الصحفي عمر السيلاوي، الذي يعمل في فضائية الأقصى، واستشهد يوم السبت 3/1/2009 ،والصحفي باسل فرج مصور لدى شركة الإنتاج الإذاعي الفلسطينية وكذلك للتلفزيون الجزائري، واستشهد يوم الاثنين 6/1/2009 ، بالإضافة للصحفي إيهاب الوحيدي، مصور في تلفزيون فلسطين، واستشهد مع والدة زوجته الخميس 8/1/2009 .

كما استشهد الصحفي علاء مرتجى الذي يعمل في إذاعة البراق المحلية بمدينة غزة، والصحفي جلال نشوان يعمل في قسم البرامج بتلفزيون فلسطين.

مشاهد لا تنسى

حمل الصحفي الغزي في ذاكرته العشرات من المشاهد المؤلمة التي لا يمكن أن يمحوها الزمن .

صالح الناطور مراسل فضائية القدس ذكر "للرسالة"  أن الصحفي الفلسطيني كأي مواطن لم ينس تلك الأحداث بعد مرور عام عليها، مبينا أنه مع دخول العام الأول للحرب لازالت مشاهد مؤلمة من المجازر عالقة في ذهنه .

الناطور وبحكم عمله في الفترة المسائية وقت الحرب كان دائم التواجد في مستشفى دار الشفاء ، ذكر أنه لم ينس حال سيدة من عائلة حمودة في الخمسينات من عمرها وقد فقدت ابنها الوحيد بعد اختناقه بالغازات بعد أشهر من ولادته وحرمان دام عشرين عاما، فلم تكن تصدق ما يدور حولها، أبكتني وأبكت الكثير من الزملاء.

أما محمود البيك نائب مدير إذاعة الأقصى ذكر انه وبعد عام على العدوان بقيت الإرادة الصلبة لدى المدراء ورؤساء الأقسام وكل العاملين بالإذاعة ، كما خرجوا من الحرب أكثر عزيمة وإصرارا على المواجهة .

وأوضح أن تجربة الحرب بالنسبة له كانت بالغة القسوة خصوصا في ظل تغطية معقدة ومعركة إعلامية تريد إثبات الحق، علاوة على سقوط العائلات التي لا يستطيع معها أي إنسان تمالك نفسه .

واستذكر البيك لحظات استشهاد الشيخ نزار ريان وعائلته خصوصا وانه صهره فلم يستطيع الخروج بالخبر على الهواء رغم وجوده في مكان الحدث فكان بالنسبة له موقفا صعبا من الطراز الأول .

وتحدث أن المذيع يشعر بحرقة ومرارة حينما يخرج بأخبار استشهاد عائلات بأكملها فكثيرا ما كانت تخنقه العبارات، ويظهر ذلك للمستمعين كما أن عدد من العاملين استشهد أقاربهم وإخوتهم فكانت لحظات قاسية غير أنها لم تثن أحدا عن القيام بدوره.

من جانبه قال مصور الوكالة الفرنسية محمد البابا : المشاهد لازالت عالقة في أذهان المصورين فلا أزال أذكر مشهد الطفلة ضحى الداية وهي أشلاء تحت الركام، كذلك مدرسة الفاخورة والفسفور الأبيض الذي كان يسقط على المواطنين،  ذالك السلاح الذي لازال أثره موجودا حتى اللحظة .

ووصف البابا مشهد استهداف أفراد الشرطة في الجوازات حيث استشهدوا صفا واحدا متراصين خلف بعضهم  بالمشهد الذي لا يمكن نسيانه .

صعوبات في العمل

وقال البيك: الصحفيون الذين ضربوا أروع الأمثلة في الدفاع عن الشعب الفلسطيني من خلال الكلمة الصادقة والصورة التي تفضح الاحتلال تعرضوا لصعوبات كثيرة في عملهم، وأضاف:

في ظل الاستهداف وتغيير المقر تعرضنا لصعوبات كبيرة في العمل إلا أننا كنا على تواصل لحظة بلحظة لتوجيه المذيعين ومتابعه السياسات العامة للعمل".

وأكد أنهم تمكنوا من تذليل هذه الصعوبات قائلاً: "كما أننا أوجدنا وسائل اتصال خاصة بنا وتغلبنا على التشويش الدائم على البث، وكان همنا النجاح الذي حققناه في مواصلة البث في ظل الظروف المعقدة ،وخرجنا بالأخبار العاجلة والتحليلية" .

أما مراسل القدس الناطور فقال أن مشهد قصف مجمع السرايا الحكومي حيث كان على أحد الأبراج القريبة منه على الهواء مباشرة في نشرة العاشرة مساء ففوجئ بالانفجار ونزول الجميع من حوله.

وأضاف: "كل تلك التطورات كانت في خمس عشرة ثانية وظننت أن القصف في البرج الذي اعتليه، ولم يكن لدي خيار إلا الاستمرار في رسالتي المباشرة لأني حتى لو قررت النزول فلن أستطيع ذلك" .

بدوره ذكر الدكتور فريد أبو ضهير المحاضر بقسم الصحافة بجامعة النجاح  في نابلس أن الإعلامي الفلسطيني نجح بقدر كبير في إثبات نفسه في الحرب عن طريق القلم والصورة والعديد من الوسائل فكانت الحرب تربة خصبة ليثبت الصحفي نفسه ، مشيرا إلى أن هذا الانجاز يوقع على عاتقهم مسؤولية في التفكير بالتأثير على الرأي العام الغربي، وعدم الاكتفاء بالمحلي والعربي.

كما لم يغفل المكتب الإعلامي الحكومي أن يحيي أرواح شهداء  الحركة الإعلامية الذين سقطوا شهداء للحقيقة على مذبح الصورة الناصعة لصمود الشعب الفلسطيني.

وأبدى المكتب تضامنه مع المؤسسات الإعلامية التي تعرضت للقصف والتدمير الكامل خلال هذا العدوان الشرس ونخص بالتحية فضائية الأقصى التي دُمرت بالكامل ولكنها عملت ولم تترك الميدان، وصحيفة الرسالة التي أجهزت طائرات الاحتلال على مقرها .

في دائرة الاستهداف

لقد كان الإعلاميون جنوداً في دائرة الاستهداف، يحاولون بكل الإمكانات نقل الحقائق وفضح الاحتلال، وفي جانب آخر يشعرون بقلق وخوف على عائلاتهم.

صالح الناطور بين أنه كان لديه نوع من التناقض في هذا الجانب فكون عائلته تسكن في دولة الإمارات كانت تطمئن عليه عند خروجه على شاشة التلفاز فإذا خرج فهو بخير وشقيقه أيضا كذلك ، مشيرا إلى انه بخلاف بعض الصحفيين الذين كان خروجهم على الهواء يشكل قلقا لذويهم ، منوها إلى أن والدته كثيرا ما كانت تتصل به باكية وخصوصا بعد القصف الذي تعرض له مجمع السرايا وظهر خلاله على الهواء مباشرة وهو في المكان .

من ناحيته تحدث البابا أن الصحفي يجب أن يًؤمن عائلته كي يعمل وهو مطمئن.

ودمرت قوات الاحتلال خلال عدوانها على محافظات قطاع غزة منازل لعدد من الصحفيين والمصورين العاملين مع وسائل إعلام مختلفة عرف منها شقة مدير البرامج في فضائية الأقصى الصحفي سمير أبو محسن التي تم قصفها بقذيفة مدفعية في حي تل الهوا، ومنزل مصور رامتان أنس ريحان الذي تم تدميره بالكامل شمال القطاع، ومنازل كل من عبد الرحمن حسين، وخالد الزهار وعدنان البرش، وزياد أبو خوصة وجميعهم يعملون في وكالة رامتان للأنباء.

وعلى الصعيد نفسه قصفت قوات الاحتلال المقار والأبراج الصحفية، إذ استهدفت طائرات الاحتلال ثاني أيام العدوان مقر فضائية الأقصى غرب مدينة غزة بعدد من الصواريخ، مما أدى إلى تدميره بصورة كاملة وانقطاع البث لدقائق قليلة، قبل أن تعاود الفضائية البث من مكان مجهول.

كما أقدمت طائرات الاحتلال على قصف مقر إذاعة الأقصى ومخازن الوقود التابعة لها في حي النصر وسط مدينة غزة، فيما استهدفت طائرات الاحتلال برج الجوهرة" في مدينة غزة والذي يضم عددا من المكاتب الصحفية للفضائيات العربية والأجنبية.

وأقدمت طائرات الاحتلال على قصف مقر جريدة الرسالة نصف الأسبوعية أتى على معظم محتويات الجريدة.

انتصارات إعلامية

وكانت الحرب سببا في حصول العديد من الصحفيين الفلسطينيين على جوائز دولية كانت بمثابة شهادات تقدير لجهودهم ووصولا بإنجازاتهم في نقل الحقيقة للعالم .

"الرسالة" حاولت عرض نماذج منهم فكان من بينهم الصحفي محمد البابا الذي حاز على ثلاثة جوائز لثلاثة صور التقطها في الحرب .

وقال البابا: صوري الفائزة كانت أولها للفسفور وهو يسقط على المواطنين ، والثانية صورة لأم وأولادها يصرخون ويبكون شهداءهم ففازت كصورة مؤثرة ، وكذلك صورة لمن سقطوا في منطقة الجوازات.

وبين البابا أن الدرس الذي استفاده خلال تغطيته الحرب أن يكون جاهزا بمعداته وكاميرته واخذ كل الاحتياطات في هذا الجانب .

كما فاز الصحفي صالح المصري مراسل تلفزيون "الكوثر الإيراني بالجائزة الذهبية عن برنامج "وتبقى غزة" الذي نفذته شركة الواحة للإنتاج الفني والإعلامي وأخرجه أشرف الهواري أثناء الحرب على غزة ضمن مهرجان اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية الذي انعقد في "إيران".

من جهته تمكن الإعلامي الفلسطيني أشرف المشهراوي من الفوز بجائزة مارتن أدلر المتخصصة في تغطية الحروب، عن تغطيته للعدوان الحربي الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة .

وقد رشحت المشهراوي لنيل الجائز الأشهر عالميا في مجال قصص الحروب القناة البريطانية الرابعة التي كان يعمل لصالحها خلال الحرب؛ لتناوله غزة بطريقة مختلفة بحيث وضع الجمهور في الغرب في تفاصيل حياة الغزيين وقت الحرب، والتي لم يلتفت إليها معظم وسائل الإعلام بقدر اهتمامهم بتغطية الحرب بشكل إخباري.

ومن أصعب لحظات الحرب التي شكلت تحديا للمشهراوي أثناء تغطيته الحرب: حادثة استشهاد أخيه الأصغر " 13 عام " الذي قصف بينما كان يلعب مع ابن خالته على سطح منزله وسط قطاع غزة فيما نجت بنات الصحفي اشرف بأعجوبة بعد أن سقط الصاروخ في غرفتهما.

ويقول المشهرواي: إن حادثة استشهاد أخي  شكلت لي تحدي وجعلتني بين خيارين؛ إما التوقف عن تغطية الحرب والمكوث مع أهله لمواساتهم ، أو أن أكمل العمل ".

ويضيف " لكني آثرت أن أكمل عملي بعد أربع ساعات من استشهاد شقيقي؛ لأني تيقنت أن بتوقفي عن كشف الجرائم الإسرائيلية أحقق الهدف الإسرائيلي.

استثمار الخبرة

ويرى الدكتور أبو ضهير أن الحرب عملت على إبراز عدد من الصحفيين في الفضائيات لقدرتهم على نقل الصورة بشكل واسع وبمهنية عالية للمشاهدين، إلا أن القصور كان في الدور السياسي الذي كان في كثير من الأحيان يؤثر على الإعلام بتصريحاته السلبية كضبط النفس وغيره مما يؤثر بشكل سلبي على الرأي العام .

أما عن استثمار نتائج الحرب بعد انتهائها وعلى مدى عام أوضح أنه كان هناك فتور سياسي تبعه فتور إعلامي تدريجي كون الإنسان ينسى الأمس ، والإعلام بطبيعته يواكب أخر الأحداث وأهمها .

وقال :الحرب تزامنت مع تطور كبير في وسائل الإعلام خاصة على صعيد الفضائيات والانترنت لذلك أظهر وعي  واضح لدى الصحفيين في عملهم فكانت هناك تغطية واسعة وشاملة للحرب" ، مبينا أن وجود الانترنت الذي كان في تناول الجميع ساعد في إيصال معلومات إضافية من المواطنين قد يكون العلامين غفلوا عنها فكانت الأحداث موجودة بغزارة.

ويعتقد مراسل القدس صالح الناطور أن تغطية الحرب كانت بمثابة تجربة أولى لكثير من المراسلين الذين لم تمر عليهم بشاعة بذلك الشكل ، مشيرا الى أن الكثير من القنوات الأجنبية اعتمدت المراسلين الفلسطينيين في نقل الأخبار ، مبينا أنه من حق الصحفي الفلسطيني أن ينال الرعاية الكاملة وان تقدم له التأمينات في ظل تعامله مع عدو لا يفرق ولا يرحم.

فتجربة الإعلاميين والصحفيين لا تقل صعوبة وألماً عن أي تجربة لغيرهم من الغزيين، فقد كانوا جنوداً في دائرة الاستهداف، يحاولون بكل الإمكانات نقل الحقائق وفضح الاحتلال.

 

اخبار ذات صلة