مقالات
استحواذ أم ثقة.. هناك فرق
مصطفى الصواف
الاستحواذ مصطلح بات دارجا على ألسنة المخالفين لجماعة الإخوان المسلمين في مصر في كل ما يتعلق بالمشهد السياسي المصري منذ الثورة وحتى هذه اللحظة الفارقة التي يعيشها الشعب المصري في أجواء الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة والتي رست على مرشح حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي واللواء احمد شفيق آخر رئيس وزراء في حكم مبارك.
السؤال الذي يجب أن يطرح على اللبراليين واليساريين والعلمانيين في مصر والذين يرون أن الديمقراطية يجب أن تكون الطريق نحو تشكيل الحياة السياسية المصرية في أعقاب ثورة يناير، وأن من حق المصريين أن يمارسوا ديمقراطيتهم التي حرموا منها عقود طويلة ، ويرون أيضا ونحن نرى معهم أن التعبير عن الديمقراطية الحقة وحرية الاختيار تتم عبر صناديق الاقتراع، والقانون والعقل والمنطق يقولون أن من حق كل مصري أن يرشح نفسه طالما انطبقت عليه الشروط المنصوص عليها في القانون والدستور المصري، وهذا بالفعل الذي جرى في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وخاض الجميع الانتخابات بحرية تامة وبشكل ديمقراطي شهد له الجميع واختار الناس من يرون أنهم الأنفع والأقدر على تحقيق الأمن والأمان والأخذ بمصر وشعبها نحو تجاوز المرحلة الماضية والدخول إلى مرحلة نهضة مصر الجديدة التي تحكم وتدار بإرادة شعبية ، لماذا لا تريدون التسليم لإرادة الشعب؟
انتخب المصريون من يمثلهم في البرلمان وكانت الغلبة للتيار الإسلامي بشقيه (الإخوان والسلفيون) وهذه الغلبة كانت بسبب التصويت في صناديق الاقتراع وهي رغبة جماهيرية عارمة، وهل المنطق والعقل يقولان أن على من اختارهم الشعب ليكونوا ممثليه في مجلس الشعب أن يخونوا ثقة الناس فيهم حتى لا يتهموا بأنهم يستحوذون على مقاليد الحكم، أو أن الواجب يقول عليهم أن يحملوا الأمانة التي حُملوها من الشعب وان يمضوا به إلى الخلاص من حكم دكتاتوري خُلع بالدماء والشهداء.
زادت نغمة الاستحواذ التي يرددها من لم يحققوا نتائج تؤهلهم لخوض الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية لأن مرشح حزب الحرية والعدالة (الإخوان المسلمون) سيكون المنافس في جولة الإعادة بعد أن منحه الشعب الثقة في المرحلة الأولى وحصل على المرتبة الأولى يليه شفيق، والسؤال نعيده: هل من المنطق والعقل أن يرفض محمد مرسي ثقة من أعطاه صوته من الشعب المصري ويقول له حتى لا اتهم بالاستحواذ سأنسحب من الجولة الثانية من الانتخابات، كما طالب البعض؟ حتى لا يفوز حزب الحرية والعدالة برئاسة مصر القادمة ويكون قد تولى قيادة مصر بعد الفوز بالغالبية في مجلسي الشعب والشورى والفوز بالرئاسة لو تحقق في الجولة الثانية، وهذا ما بات يخشاه اليساريون واللبراليون والعلمانيون وبعض الثوريين الذين يحرضون الشعب المصري على عدم المشاركة في جولة الإعادة ومنهم من يدفع باتجاه التصويت لشفيق ليس حبا فيه ولكن كرها في أن لا يحكم الإخوان مصر.
الاستحواذ هو الامتلاك للشيء ، ولكن علينا أن نفرق بين الاستحواذ برغبة المالك وفي الانتخابات المصرية هو الشعب الذي أعطى الإخوان الاستحواذ السياسي، والاستحواذ الناتج عن استخدام القوة القهرية كما فعل نظام مبارك طوال سنوات احتكاره للسلطة دون رغبة من المالك الحقيقي له وهو الشعب، فهل استحواذ الإخوان هو استحواذ برغبة الملك للشيء أو هو استحواذ الغاصب دون وجه حق؟
فإذا كنا نرى أن الديمقراطية هي المسار الصحيح وأن الانتخابات هي التعبير الأوضح عن الديمقراطية وان من حق الشعب أن يعبر عن رأيه، وان الجميع نزل ساحة المنافسة بشكل متساو وفق القانون وأعطى الناس صوتهم بحرية لمن وثقوا به فهل هذا هو استحواذ أم ثقة؟، وما ذنب الإخوان إذا لم يفز يساري أو علماني؟ أم أن هؤلاء يريدون تزييف إرادة الشعب المصري؟
إذا أردنا أن نلعب لعبة الديمقراطية والانتخابات علينا القبول بالنتائج مهما كانت ، أما إذا كانت النتائج على غير ما يريد البعض تكون الشيطنة لها ولنتائجها واتهام الشعب بالغفلة وعدم فهم المصلحة لأن اختيار الشعب لم يأت على هوى المشيطنين لهذه الانتخابات، فأين إذن هي الديمقراطية وحرية الاختيار والرأي والتعبير التي يتغنى بها هؤلاء جميعا؟ أم أنهم يريدون ديمقراطية بالمقاس الأمريكي بمعنى ديمقراطية ولا ديمقراطية، إذا فاز المقربون للمشروع الأمريكي تصبح الانتخابات ديمقراطية، وإذا فاز غيرهم يصبح الموقف مختلفا.