قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: أخي الشهيد...

الصحفي زاهر محمد البيك (الأرشيف)
الصحفي زاهر محمد البيك (الأرشيف)

بقلم : زاهر البيك

عذرا أخي.. مضى أسبوع على استشهادك دون أن أستطيع الكتابة عن أمجادك وبطولاتك وانسانيّتك, على الرغم من أنني أمتهن الصحافة منذ تسع سنوات وكتبت عديد المقالات عن الشهداء, ولكن هذه المرة انهارت قواي ولم تستطع يدي حمل القلم الذي اعتادت حمله .. فمصابي جلل وفراقك يا أخي هزّ أركان فؤادي..

فلله درك يا أبا أنس، وأنت ترحل هناك إلى عليين مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، لله درك وأنت تمضي إلى ربك مضرجا بدمائك الطاهرة الزكية ولسانُ حالك يقول: وعجلت إليك ربي لترضى.

سلام عليك أيها الثائر المقدام، يا من صلت وجلت في ساحات النزال، ترفع علم فلسطين خفاقاً في كل الميادين، سلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم أن فاضت روحك الطاهرة إلى بارئها، سلام عليك يوم أن أعلنت مآذن مسجدك الخلفاء الراشدين رحيلك لتلحق بركب الشهداء السابقين.

سيفتقدك والدك الذي يرثيك سرا وجهارا ويبكيك ليلا ونهارا , ستفتقدك والدتك الصابرة وشقيقاتك وأشقاؤك الذين اتخذتهم أصحابا لك تخشى عليهم أي مكروه, ستتفتقدك زوجتك وأبناؤك الأطفال يوم كنت تقبلهم وتمسح على رؤوسهم وتودعهم قبل كل مهمة جهادية.

لقد نلت من اسمك نصيبا يا ثائرا على الظلم، وثائرا على المحتل، وقد تميزت بالبسمة الدائمة على شفتيك التي كنت تقابل بها إخوانك وأهلك من حولك.

لقد كان همّه على الاسلام كبيرا يتعدى الشأن المحلى الى الشأن العربي والدولي.. فأتذكر وانا أكتب هذه الكلمات –التي لا تفي جزءا يسيرا من حقه– يوم انتخابات الرئاسة المصرية حينما كان دائم الاتصال بي -بسبب عملي في الصحافة- يسألني عن وضع الدكتور محمد مرسي وما هي حظوظه في الفوز, لقد كان نظره بعيدا ويعلم مآلات فوز أو خسارة مرسي لانتخابات الرئاسية المصرية على الدعوة الاسلامية.. نم قرير العين يا أخي لقد فاز الاسلام في هذه الانتخابات واستجاب الله لدعائك الصادق أيها الصدوق.

أهانَ عليكَ الرحيلُ يا حبيب القلب يا أبا أنس، أهان عليك فراق إخوانك وأهلك وأحبابك الذين ذرفوا عليك الدموع، فماذا سيكون حال أنس وسوزان اللذين لم يصدقا إلى الآن أنك قد رحلت عن دنياهما فقد كنت لهم كل شيء في حياتهما أبا ً ومعلما ً ومربيا ً ، وغادرت إلى هناك، إلى عليين لتفضل الآخرة على الدنيا، والوداع على البقاء في هذه الدنيا الجيفة.

لن ينسى أطفالك (سوزان ابنة التسع سنوات، وأنس ابن السبع سنوات، وسارة ابنة الخمس سنوات، ومرام ابنة الثلاث سنوات) لحظة جلوسهم معك حول مائدة الفطور، قبيل خروجك.. لم يكونوا يعلمون أنه آخر فطور لهم مع أبيهم الحنون الذي أحبوه حبا كثيرا.

خرج ثائر من بيته مودعا أهله كعادته لأن حياته أصبح عنوانها الجهاد في سبيل الله, وفي كل وقت وفي كل حين معرض لأن يرتقي شهيدا نحو العلياء وهذا ما تمناه الثائر، لقد كتب الله عز وجل أن يرتقي ثائر في هذا اليوم شهيدا ً ليبدأ رحلة الراحة وإنهاء حالة التعب من دنيا الفناء.

رحل ثائر –راعي النخوة-، بكاه المحبون من حوله، بكاه الأهل والأصحاب والجيران، وكيف لا يبكيه كل هؤلاء وهو البطل الذي صمد في المعارك وهو الذي أحبه الجميع لحسن أخلاقه ومرحه والتزامه، رحمك الله أيها الثائر، فاليوم تلحق بالشهداء الذين سبقوك من أجل قضية فلسطين.

لقد ابتهج قلبي يا أخي حينما سمعت طفلتك البكر سوزان وهي تدعو لك قائلة "الله يرحمك يابا وينولك الجنة".. لقد ابتهج قلبي يا أخي حينما رأيت النور يشرق من وجهك والابتسامة ترتسم على وجنتيك وأنت مسجى بدمك الطاهر..  لقد رقص قلبي يا أخي حينما قرأت حديث المقدام بن معْدي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن للشهيد عند الله سبع خصال: يُغفر له في أول دفعة ، ويُرى مقعده من الجنة، ويجار من فتنة القبر، ويأمن يوم الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أقاربه".

رحم الله أخي الشهيد وأسكنه فسيح جنانه مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

البث المباشر