مقال: الدستورية الزائفة..

مؤمن بسيسو

ما يجري في مصر يتعدى كونه فوضى قانونية أو دستورية لجهة إحالته إلى مخطط متكامل لإفشال مشروع الرئيس مرسي والتنغيص على مسيرته الرئاسية خلال المرحلة المقبلة.

يحاول المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر أن يجعل من نفسه الرقم الصعب في المعادلة المصرية الداخلية، ويكرس هيمنته على كل مفاصل القرار في الدولة، ويجعل من الرئيس تبعا وملحقا له على الدوام.

المحكمة الدستورية تشكل أداة من أدوات المجلس العسكري في وجه الرئيس مرسي والخصوم السياسيين، ويتم استدعاؤها حسب الحاجة وفقا لأجندة خاصة سار على هديها المجلس العسكري منذ نجاح الثورة في الإطاحة بالرئيس مبارك وتسلمه مقاليد إدارة البلاد بقرار جمهوري.

من يراقب أداء المجلس العسكري وأدواته المُغلفة بالثوب الدستوري، وعلى رأسها المحكمة الدستورية، يدرك أن العسكر يعجزون عن التكيّف مع الواقع الجديد الذي حمل رئيسا مفوّضا بالإرادة الشعبية إلى سدة الحكم، وأنهم يشكلون حالة موازية لمؤسسة الرئاسة أقرب إلى التصارع معها منه إلى التعايش المفترض والتعاون المطلوب.

التمسح بالقانون والدستور يشكل ورقة التوت التي يستر بها العسكر سوءات إجراءاتهم الأخيرة التي شكلت انقلابا على الثورة المصرية، وهدما لمخرجات الديمقراطية الناشئة المتمخضة عنها.

في عرف عسكر مصر لا يهمّ درجة حرص الرئيس على المصلحة الوطنية المصرية، ولا يهمّ مستوى توافق إجراءاتهم مع صحيح نصوص القانون والدستور، فكلّ ذلك يتضاءل مع الأجندة المخبوءة التي حاولوا إنفاذها دون ضجيج طيلة المرحلة الماضية، والتي تحاول إعادة إنتاج نظام مبارك من جديد، وتفريغ الثورة من مضامينها الحقيقية عبر أساليب ووسائل دستورية مزيفة.

ردة فعل العسكر على قرار مرسي إعادة عمل البرلمان بدا غريبا على المنطق السليم، إذ أن مجرد دعوة المجلس العسكري لاجتماع طارئ توحي بأن أمرا جللا قد حاق بالبلاد والعباد، وهي إشارة عميقة لها ما بعدها، وتنطوي في داخلها على تحدّ صارخ وتحذير سافر للرئيس الذي يحاول استرداد صلاحياته المغتصبة وتجاوز الخطوط الحمراء المرسومة.

مَنْ يراهن على استقامة المؤسسات الدستورية في ظل العهد الديمقراطي المفترض بعد الثورة المصرية يراهن على الوهم والسراب، فسلوكياتها وإجراءاتها أبعد ما تكون عن المهنية المطلوبة والالتزام الشفاف بالقيم والنصوص القانونية.

من كان يتصور أن تقوم المحكمة الدستورية العليا بالتدخل في اختصاصات القضاء بما لا يعنيها ويخرج عن نطاق مهامها المنصوص عليها وفقا لصريح القانون، وأن تبرم قرارات رافضة للقرارات الرئاسية، وأن تطبخ قراراتها التي يفترض أن تحظى بقدر واسع من البحث والنقاش خلال ساعات معدودات؟!

معركة الصلاحيات والنفوذ بين الرئيس مرسي والعسكر بدأت مبكرة خلافا لمعظم التوقعات، وستحاكي ما توقعناه سابقا من أن الرئيس مرسي سيواجه دولة عميقة تعمد إلى محاولة إفشاله واختلاق المشكلات واصطناع العراقيل التي تجعل دورته الرئاسية طافحة بالنكد والعوائق والمنغصات.

معركة مرسي مع العسكر مؤشر بيّن على أن نظام مبارك الذي يحكم من وراء الستار عبر واجهات "دستورية" مفروضة لا زال فاعلا وقويا، وأن الحاجة إلى إعادة صناعة الثورة المصرية يجب أن تتربع على رأس الأولويات خلال المرحلة الراهنة.

البث المباشر