مقال: أعيدوا النظر في مشاريع البطالة

مصطفى الصواف

ترددت كثيرا قبل الكتابة في قضية مشاريع البطالة والتشغيل للعاطلين عن العمل في فلسطين وتحديدا في قطاع غزة على كل المستويات الرسمية والأهلية أو الأممية لكون هذه البرامج المنفذة والمعتمدة يشوبها الكثير من الخلل وهي بحاجة إلى إعادة نظر لأن الفائدة المرجوة منها لا تؤسس لعلاج ظاهرة البطالة بقدر ما هي مشاريع استهلاكية هي أقرب للإعانة منها كمشروع لمعالجة البطالة.

وهنا سأطرح مثالين الأول ما تقوم به وزارة العمل في حكومة غزة من برنامج للتشغيل وهو يعتمد على قيام بعض الأفراد وفق معايير معينة بالتسجيل لدى الوزارة في برنامج التشغيل المؤقت ولمدة شهرين مقابل 800 شيكل للشخص الواحد، ويتم توزيع هؤلاء الأفراد على الوزارات الحكومية والمؤسسات المختلفة، وهذا التوزيع وفق ما أرى عشوائي يعتمد على القائمين على الملف في الوزارة دون مراعاة لحاجة هذه الجهات أو تخصصات وإمكانات العاطلين عن العمل فيصبح وجودهم في الوزارات والمؤسسات عاملا معطلا وبطالة مقنعة دون الفائدة المرجوة والتي لا تبلغ في أحسن الأحوال 10%.

وهنا أتحدث على مثال حي: أرسل إلى وزارة الثقافة حوالي اثني عشر شخصا كموظفي بطالة سواء من وزارة العمل أو من مؤسسات إغاثة غالبيتهم يجلسون بين الكراسي أو على المكاتب بلا عمل أو فائدة، والبعض منهم يقولها صراحة أنا هنا كي يصرف لي المبلغ المخصص للبطالة،  وأنا بطالة، أي بلا عمل ولا أريد أن أعمل، هكذا وبمنتهى الصراحة وزيادة على ذلك يريد أن يأتي كما يريد وينصرف أيضا كما يريد الأمر الذي يشوش بشكل أو بآخر على عمل صغار الموظفين.

المثال الثاني المؤسسات الأهلية والتي لديها برامج تشغيل ومنها ما هو مؤلم وهو أن هذه الأموال تنفق في غير جدوى سوى المنفعة الشخصية لعامل البطالة والذي لو خطط له وللأموال التي تخصص للبطالة لربما كان هناك مشاريع تشغيلية دائمة لمثل هذه الفئة تغنيه عن السؤال أمام المؤسسات عند التسجيل أو المتابعة وكذلك نوعية العمل المرهق وغير المناسب ، وأكثر ما يؤلمني هو العمال الذين يوكل إليهم كنس الرمال من الشوارع الأسفلتية والتي تكنس في العام مرات عدة نتيجة وجود شوارع فرعية ترابية، وهذا النوع من الكنس لا يجدي نفعا ففي اليوم التالي ولكثرة مرور السيارات والناس والوسائل الأخرى تعود الأتربة من اليوم الأول لكنسها ثم تتراكم وهكذا يضيع الجهد والمال.

أليس من الأجدى والأنفع إعادة النظر في هذه المشاريع بحيث يتم التخطيط لإقامة مشاريع صغيرة لصالح هذه الفئة تدر عليهم دخلا شهريا طوال العام وإن قل، وهي أفضل لهم وانفع وكذلك للمجتمع، كأن يجهز لهم مصنع للباطون الجاهز أو لتدوير النفايات أو للورق والزجاج ، وما ينفق من أموال يكفي لمثل هذه المشاريع الكفيلة بتشغيل الآلاف من العمال وتكون في نفس الوقت خادمة للاقتصاد الوطني.

فعلى سبيل المثال بحسبة صغيرة لو افترضنا أن وزارة العمل تشغل 1000 عاطل عن العمل في كل دورة وهذا يعني أن هناك ستة دورات وقيمة المدفوع في الدورة الواحدة يصبح 200 ألف دولار، لو ضرب هذا المبلغ في دورات العام الستة هذا يعني أن هناك ستة آلاف من العاطلين على العمل ينفق عليهم نحو مليون ومئتي دولار في العام الواحد أليس هذا المبلغ كافيا لإقامة عدة مشاريع صغيرة يمكنها أن تشغل عددا من العمال بشكل دائم وهكذا في كل عام، والأمر منسحب على المؤسسات الأهلية والأممية وعلى بعض مشاريع صرف الأموال بدون جدوى اقتصادية إلا التلهية للعاطلين عن العمل.

هناك أموال كثيرة تنفق، محدودة الفائدة، لو جمعت لشكلت في حجمها العام والخاص مبالغ كبيرة كفيلة بإنشاء مشاريع مستديمة تشكل وتستوعب اكبر عدد من العاطلين عن العمل ولكن المسألة بحاجة إلى تخطيط سليم واستغلال أكثر نفعا لهذه الطاقات خدمة للمجتمع ولفئة العاطلين عن العمل ويتم تحويلهم إلى أدوات إنتاج فاعلة بدلا من انتظار البطالة لحين البطالة الثانية والتسجيل يكون في أكثر من مؤسسة وأحيانا يتم استبدال المعين بشخص آخر مقابل تقاسم المبلغ نهاية الدورة.

دعوتنا إلى الجميع بضرورة إعادة التفكير مرة أخرى في هذه المشاريع الجاري العمل بها في تشغيل البطالة وتشكيل هيئة وطنية عليا تجمع هذه الأموال وترسم الخطط والمشاريع وتقوم بتنفيذها وتمليكها للعاملين فيها مع استمرار المتابعة والمراقبة وحسن الإدارة.

البث المباشر