كثرت الأقاويل في النتائج المخيبة للآمال التي حققها الإسلاميون في الانتخابات البرلمانية التي جرت في ليبيا الأسبوع الماضي.
حقيقة الأمر أن الإسلاميين الليبيين تراجعوا نسبيا ولم يحققوا التفوق المرجوّ أسوة بنظرائهم في سياق رياح الربيع العربي التي حملت الإسلاميين إلى سدة الحكم في مصر وتونس والمغرب.
التيار الإسلامي حلّ تاليا لتحالف القوى الوطنية الليبرالي الذي يقوده محمود جبريل في إطار نظام القائمة الذي تنافست عليه القوى والأحزاب المختلفة، والذي تشكل نسبته 40% من جملة مقاعد البرلمان الليبي، فيما تخصّص النسبة الأكبر المتبقية للمرشحين المستقلين.
نتائج الانتخابات البرلمانية الليبية حملت مفاجأة أقل وقعا من الانتخابات البرلمانية الجزائرية، لكن المفاجأة تبقى مفاجأة أيا كانت درجتها ومستواها، فالإسلاميون كانوا يتوقعون الفوز بالمركز الأول ويبدو أنهم فوجئوا بصعود خصومهم السياسيين.
وفي إطار تحليل نتائج الانتخابات البرلمانية الليبية يمكن إسناد التراجع النسبي للتيار الإسلامي إلى جملة متشابكة ومعقدة من الأسباب التي يمكن إجمالها على النحو التالي:
أولا: الاعتبار القبلي والعشائري:
عندما ندرك أن المجتمع الليبي يتشكل أساسا من مُركّبات قبلية وعشائرية، حينها ندرك أيضا ألا غرابة في أن تذهب كثير من الأصوات للمرشحين بناء على الاعتبارات القبلية والعشائرية.
وللاعتبار القبلي والعشائري دور واضح ومؤثر في تحديد الاختيارات الشعبية، وهي آفة عميقة يبدو أن ليبيا سوف تحتاج وقتا طويلا لمعالجتها والتخلص منها.
وهكذا فقد تناثرت الأصوات الانتخابية الليبية في جزء معتبر منها بعيدا عن الاعتبارات السياسية والفكرية والأيديولوجية.
ثانيا: الفوضى الثورية:
فقد لعبت الفوضى الثورية، وتشتت ونزاعات الثوار في مرحلة ما بعد القضاء على القذافي ونجاح الثورة الليبية، دورا رئيسيا في نزع صفة القداسة عن الثوار الذين ينحدر معظمهم من تيارات وجهات إسلامية.
وغني عن القول أن المجتمع الليبي الذي عانى الأمرّين تحت حكم القذافي بات أشد حساسية لكافة الممارسات والتصرفات غير اللائقة التي صدرت عن الثوار خلال المرحلة الماضية عقب نجاح الثورة، والتي أظهرتهم على صورة أقرب إلى الفوضوية بما ينافي مبادئ التنظيم والتعاون، وما يخلّ بالأمن والاستقرار الداخلي.
ومن هنا فإن جزءا من الاتجاهات الشعبية مارست حقها التصويتي في اتجاه آخر بعيدا عن التيار الإسلامي، وخصوصا باتجاه تحالف "جبريل" الذي لعب على وتر القضايا الحساسة التي تهمّ المواطن الليبي.
ثالثا: تقمّص الخطاب والشعارات الإسلامية:
قد تكون الانتخابات البرلمانية الليبية الأولى عربيا التي تشهد قيام تحالف حزبي ليبرالي برفع شعارات إسلامية، وتقمّص خطاب وشعارات إسلامية ضمن حملته الانتخابية.
لأجل ذلك استقطب تحالف"جبريل" أصواتا انتخابية حكمتها العاطفة المنشدّة إلى القيم والشعارات الإسلامية على حساب التيار الإسلامي التقليدي.
وقد لعب مستوى الجهل وقلة الوعي دورا هاما في خلط الأوراق في نظر وحسابات جزء من المواطنين الليبيين.
رابعا: التحريض الإعلامي:
وقد اشتمل ذلك على تشويه صورة الإخوان المسلمين الليبيين من خلال ربطهم بنظام القذافي من جهة، وربط مستقبل ليبيا بالوضع المصري وتفاصيل الصراع الدائر فيها بين الإخوان والعسكر، وأثره على إمكانية بناء دولة ليبية مدنية حديثة تنهض باحتياجات الشعب الليبي، من جهة أخرى.
الأسباب الأربعة السابقة منها ما هو ذاتي، ومنها ما هو موضوعي، وهي تظهر بجلاء طبيعة الخلل الكامن في ممارسات وتطبيقات الإسلاميين في بعض المجالات، وتبرز مدى إلحاح الحاجة إلى إعادة ضبط الفعل والممارسة الميدانية للتيار الإسلامي الليبي، وصوغ تفكيره السياسي وبرنامجه الاجتماعي بطرق أكثر نضجا ورشدا ووضوحا خلال المرحلة القادمة.