اختلفت ملامح شهر الصيام في سوريا هذه السنة عن أي رمضان آخر عرفته من قبل، فها هو يمر عليها للمرة الثانية منذ اندلاع الثورة متزامنا مع مرحلة هي الأكثر عنفا ودموية، ومع ظروف معيشية هي الأسوأ.
تبعات التصعيد الذي تشهده البلاد لم تترك حيزا للأجواء الرمضانية وخاصة العاصمة دمشق التي تملك إرثا عريقا من الطقوس في هذا الشهر، فقد طالت تلك التبعات موائد الناس وقوتهم، إذ أصبح الحصول على كفاف يومهم من المواد الغذائية همهم الأساسي، وقبل ذلك البقاء على قيد الحياة والهروب من المناطق التي تتعرض للقصف.
لم تعرف دمشق سابقا وجودا لظاهرة التشرد بالشوارع ولم يألف الدمشقيون مشاهد المشردين في الأماكن العامة، لكن ذلك أصبح واقعا الآن في العاصمة التي قصفت بها أحياء عدة، حيث فاضت المناطق المجاورة بالأعداد الكبيرة للنازحين وفتحت أبواب المدارس في العديد من الأحياء الدمشقية وريفها لإيوائهم، ورغم ذلك فثمة من لم يجدوا أماكن يلجؤون إليها عدا الحدائق العامة وأرصفة الطرقات.
العديد من الناشطين في مجال الإغاثة تحدثوا في شهاداتهم "للجزيرة نت"، عن تعاملهم مع حالات إنسانية سيئة لعائلات وأفراد يمكثون مع أمتعتهم في الحدائق العامة، ومنهم مرضى يحتاجون علاجا منتظما للضغط والسكري.
فقد أوضح أحدهم أن هناك من حاولوا الهروب من القصف سيرا على الأقدام لعدم وجود وسائل نقل أو طرقات مفتوحة، ومنهم من يلجؤون إلى المساجد والحدائق، مشيرا إلى تكرر ذلك في حدائق بالقابون وعند جسر الثورة وجسر الرئيس بقلب دمشق.
وقال "إننا نحاول بذل كل ما في وسعنا لإيوائهم في البيوت والمدارس، لكن مشهد الناس وهم جالسون على أطراف الطرقات يتجدد كل يوم، علما أن ظروف البقاء في المدارس صعبة جدا في هذا الحر، لكنها تبقى أفضل من البقاء في الشارع".
ولا يغيب عن مشهد المعاناة اليومية فقدان الوقود من مازوت وبنزين وكذلك الانقطاع اليومي للكهرباء خلال ساعات النهار ذات الحرارة المرتفعة، وكذلك تراكم القمامة في الشوارع مما قد يهدد بانتشار الأمراض في ظل ارتفاع درجات الحرارة، إلا أن الشبان في أحياء دمشق تطوعوا لجمع القمامة في أكياس وتجميعها وترحيلها.
أحد الطلاب الجامعيين الذين أطلقوا دعوات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" للتعاون في تنظيف الشوارع، قال "إنه وجد استجابة كبيرة من شبان من كافة الأطياف ومنهم معارضون ومؤيدون تجاوزوا خلافاتهم السياسية وعملوا جنبا إلى جنب، وإنهم استطاعوا تنظيم أنفسهم في أحيائهم وتحديد مواعيد للعمل".
وحاول المتطوعون التواصل مع سائقي سيارات شحن صغيرة لتحميل القمامة فيها ونقلها، وفي حال تعذر نقلها ينصح الناشطون من خلال منشوراتهم بفرز القمامة وإحكام إغلاق الأكياس ودفنها في حفر بعيدة عن المنازل قدر المستطاع.
ولا يجد الأهالي بدا من التضامن فيما بينهم لمواجهة ظروفهم هذه ابتداء من فتح أبواب بيوتهم للنازحين، وتأمين احتياجاتهم وتنظيف شوارعهم، وصولا إلى اقتسام الخبز فيما بينهم.