طبيب: لا نملك الإمكانيات البشرية والتقنية
قانوني: عدم وجود المختبر الجنائي لا يخدم العدالة
مركز حقوقي: تقرير الطب الشرعي مهم لتبني الشكوى
المحكمة:يجب الحصول على تصريح التشريح لحفظ كرامة الإنسان
الرسالة نت - مها شهوان
تسلل "أ.ص" لسرقة أحد البيوت في قطاع غزة, لكن حساباته لم تصب هذه المرة ، فبعد نزوله إلى البيت الذي اختاره هدفا لليلته شعر بالإحباط لعدم وجود شيء يمكن سرقته ، حينها أقدم السارق على خنق صاحب البيت أثناء نومه وتركه جثة هامدة لأربعه أيام دون حراك.
وحينما حضر الطبيب الشرعي والشرطة وجدوا حول رقبة المقتول "سحجات" عبارة عن دم محبس بالإضافة لوجود آثار للخنق وكان لسانه ممتدا للخارج, تلك الإشارات استطاع الطبيب رغم إمكانياته المحدودة أن يدرك بان القتيل توفي شنقا.
أما الفتاة العشرينية "ج .م" فكانت تتمتع بجمال يميزها عن قريناتها ودلال تميزت به عن باقي أخواتها .. صديقات السوء صاحبنها , حتى أصبحت "ج.م" تتصرف مثلهن وباتت تخرج في آخر أيامها كثيرا, مما دفع بأهلها للظن بها ، ومن ثم قتلوها لاعتقادهم بأنها فاقدة لعذريتها ، لكن بعد موتها تبين من خلال تقرير الطب الشرعي بأنها لازالت محتفظة بعذريتها.
"الرسالة" سلطت الضوء على وضع الطب الشرعي في القطاع ومعرفة مدى إمكانياته للقيام بعمله في كشف الحقائق في التحقيق التالي. .
الكشف العيني
ورغم الإمكانيات البسيطة التي يعتمد عليها الطب الشرعي في قطاع غزة إلا انه استطاع كشف واثبات العديد من الجرائم لاسيما الغامضة منها،ونظرا لقلة الكوادر الطبية المتخصصة والأجهزة الكافية استغل بعض المحامين ذلك للتحايل على القانون من اجل جلب البراءة لموكليهم من خلال بعض الثغرات التي يجدونها في بعض تقارير الطب الشرعي.
وفي هذا السياق قال د. حمدي الكحلوت المكلف بالإدارة العامة للطب الشرعي والمعمل الجنائي بوزارة الصحة بان ادارته في غزة تحتوي على طبيب شرعي واحد ، بالإضافة إلى عدد من المتخصصين الجدد وطبيب عام.
وأضاف الكحلوت : الطب الشرعي يكشف عن الحالات الطبية القضائية التي منها الحالات الجنائية وكل شيء مشبوه فيه،بالإضافة إلى حالات الادعاء المتوفرة في غزة كالكشف عن جرائم القتل والحوادث المشبوهة كحوادث السير والسقوط من علو والغرق والحرق،وكذلك حالات الوفاة المفاجئة للأعمار الصغيرة .
وحول أهمية التقرير الطبي للمريض ذكر بأنه من خلال تقييم التقارير الطبية الموجودة معه يمكن تقدير نسبة العجز الموجودة لديه.
وقال:" الحالات التي تورد إلينا ليست كثيرة فهي فصلية ، فحوادث الطرق والغرق تكثر في فصل الصيف ،حيث تصل نسبة حالات حوادث السير من 30-50 حالة في الشهر ،بينما الحريق فنسبته قليلة"،لافتا إلى أن حالات القتل قليلة في القطاع واغلبها يقع بسبب الأنفاق.
يرفضون التشريح
واعتبر الكحلوت بان النسبة الكبرى من أهالي القطاع يرفضون فكرة تشريح الجثث لمعرفة سبب الوفاة ،مرجعا ذلك إلى ثقافتهم التي لا تحبذ التشريح لاسيما في حوادث القتل الغامضة والمشبوهة التي تكون بحاجة للتشريح وهذا يشكل صعوبة للوصول إلى الحقيقة.
وتابع المكلف بالإدارة العامة للطب الشرعي والمعمل الجنائي: لا توجد الإمكانيات المتوفرة في القسم ، حيث يعتمد التحليل على ثلاثة مراحل الأولى من خلال الكشف العيني الذي نقوم به من خلال العين ، أما الثانية عن طريق الكشف المهجري في قسم الأنسجة بدار الشفاء بالإضافة إلى الأدلة الجنائية من خلال المعمل الجنائي"، مؤكدا بأنه دون التوافق بين الأقسام الثلاثة لا يتم التشريح.
وقال الكحلوت:"أنا كطبيب شرعي اكشف بعيني وأقوم بـ 90 % من الدور الطب الشرعي فهناك
قاعدة ما لا يرى بالعين لا يرى بشيء آخر".
وأوضح بان العمل في مجال الطب الشرعي متعب وشاق وليس من السهل التشريح ،لاسيما في الحالات التي تأتي من تحت الأنقاض ويكون قد مضى على وجودها فترة من الزمن.
ولفت إلى انه تم عرض العديد من الجثث لفتيات تم قتلهن من قبل ذويهن لظنهن بفقدان عذريتهن, لكن من خلال الفحص والتشريح تبين بأنهن لازلن عذراوات، مطالبا الأهالي بالتروي في مثل تلك الحالات وألا يؤذين بناتهن إلا بعد عرضهن على الطبيب الشرعي.
وطالب الكحلوت بضرورة وجود طبيبات متخصصات في هذا الجانب للكشف عن بعض الحالات كالاغتصاب .
وناشد كافة الجهات المعنية بإنشاء معمل جنائي وتوفير المعدات اللازمة ليستطيع الطب الشرعي أداء مهامه بالكامل ، بالإضافة لتوفير منح دراسية لثلاثة أو أربعة أطباء متخصصين من أجل تشكيل قسم متكامل.
* طبيب ذو خبرة
وعن أهمية الطب الشرعي بالنسبة للمحامين أوضح المحامي زياد مزهر بأنه يتم في بداية القضية بتصوير ملفها المتواجد لدى النيابة العامة المحتوي على شهادة الشهود وتقرير معاينة مسرح الجريمة الذي يتم بالتصوير "الفوتوغرافي أو الفيديو" بالإضافة للتدوين، مضيفا انه من ضمن التقارير أيضا هو تقرير الطبيب الشرعي والخبراء الآخرين المتواجدين في القضية و تقرير المعمل الجنائي.
وأوضح مزهر بان فهم المصطلحات الموجودة في تقارير الطب الشرعي تساعد في تحقيق العدالة ، مشيرا إلى انه لابد لأي محامي الاطلاع على التقارير الطبية الشرعية لان فهمها يساعد على جلب البراءة للموكل من خلال الثغرات القانونية التي يمكن استغلالها لصالح تبرئة الموكل.
وأشار إلى أن عدد المحامين الذين يفهمون بتقارير الطب الشرعي قليلون ما يدفعهم للجوء لتقارير أخرى لتخفيف العقوبات ، معتبرا أنهم لو استطاعوا فهم التقارير لوجدوا ثغرات من خلالها يمكن الانطلاق لمعرفة الحقيقة وتحقيق ما يسعون إليه.
وقال مزهر:" هناك مصلحات طبية يجب على المحامي أن يدركها حتى يتمكن من مناقشة القاضي، لأن تقرير الطب الشرعي هو من يحدد قبول أو رفض المحامي للقضية التي تعرض عليه".
وحول المعيقات التي تواجههم كمحامين بالنسبة للطب الشرعي أشار إلى أن هناك خللا في المنظومة القضائية ،لاسيما وان القضاة والمحامين ووكلاء النيابة هم بحاجة لزيادة خبراتهم في هذا المجال ، بالإضافة إلى عدم وجود مختبر جنائي وعدد كافي من الخبراء في مجال الطب الشرعي.
واعتبر أن عدم وجود الخبراء في المجالات المختلفة التي يحتاج إليها القضاء يعد من قبيل الإعاقات لتحقيق العدالة ، وذلك كعدم وجود سوى خبير واحد معتمد في فلسطين للكشف عن حالات التزوير وهو متواجد في نابلس.
وأضاف مزهر:"عدم وجود المختبر الجنائي يخدم المحامي في تحقيق البراءة لموكله بينما لا يخدم العدالة في الوصول إلى الحقيقة".
وعن استفادة المحامين من تقرير الطب الشرعي أشار إلى انه إذا كان مستوفى الأركان والشروط ومن قام بكتابته طبيب ذو خبرة فهو يحقق العدالة للكشف عن الحقائق و يحدد السبب الأدنى البليغ في بعض الحالات كالاغتصاب والسرقة .
الإهمال الطبي
وذكرت مصادر حقوقية بان متهما توفي أثناء اعتقاله في إحدى مراكز مكافحة المخدرات.
وتابع المصدر:"إن المتهم قد تعرض للضرب المبرح مما أدى إلى وفاته على فور، لكن الشرطة ذكرت بأنه توفي على اثر أزمة قلبية تعرض لها أثناء الاعتقال،إلا أن الأهالي لم يقتنعوا بذلك فتوجهوا للمركز الحقوقي الذي تقدم بطلب للحصول على تقرير من الطب الشرعي للكشف عن ملابسات حالة الوفاة ليكشف بعدها عن الحقيقة".
من جهة أخرى أوضحت ميرفت النحال منسقة الوحدة القانونية في مركز الميزان بأنه حينما يرد للمركز شكاوى نتيجة التعرض للتعذيب الشديد أو الإهمال الطبي ،يلجئون للحصول على تقرير من الطب الشرعي ليتم بناء عليه تبني الشكوى ،مشيرة إلى أن تقرير الطب الشرعي هو الفيصل الوحيد في إثبات المسئولية من نفيها.
وعن ابرز الحالات التي ترد إلى المركز أشارت إلى حالات تعرض بعض الأشخاص للضرب والتعذيب أثناء وجودهم في مراكز التحقيق ،بالإضافة إلى بعض حالات القتل لسيدات تم قتلهن بناء على قضية شرف ،مما دفع المركز للتوجه إلى الطب الشرعي ، الذي عاين بعض حالات الوفاة المشتبه بها.
يذكر أن المواطن "و.ظ " قد توفي نتيجة للضرب المبرح وتعرضه للشنق المتعمد أثناء شبحه في إحدى مراكز التحقيق قبل عدة سنوات ،حينها أوضح مركز الشرطة بأنه أثناء شبحه تحرك بحركة خاطئة مما أدى إلى وفاته على الفور.
لكن من خلال تقارير الطب الشرعي التي حصل عليها احد المراكز الحقوقية الذي تابع القضية استطاع أن يثبت عكس ذلك وانه تم شنقه عمدا -وهذا ما أكدت عليه النحال-.
وقالت النحال:"نحن كمركز لحقوق الإنسان لا نتدخل بملف الشكوى إلا حينما نحصل على كافة الإجراءات المستلزمة للمضي في القضية وذلك من خلال الحصول على تقرير الطب الشرعي لفهم التفاصيل المتواجدة فيه".
وذكرت بان هناك صعوبات تواجه مراكز حقوق الإنسان في القضايا التي تتطلب تقارير من الطب الشرعي عند الحصول على إذن من النائب العام ومما يتطلب المزيد من الوقت ليشكل صعوبة في بعض الحالات.
وأوضحت النحال بان بعض العادات والتقاليد لازالت تحكم مجتمعنا في تشريح بعض الحالات باعتبار أن إكرام الميت دفنه، مشيرة إلى أن هذه النظرة خاطئة لان هناك ضرورة حتمية لعملية التشريح التي لولاها لما ثبتت سرقة أعضاء الفلسطينيين من قبل اليهود.
قرينة قاطعة
وحول رأي الدين في قضية الطب الشرعي والتشريح أوضح د.حسن الجوجو رئيس محكمة الاستئناف الشرعية أن قضية التشريح تعتبر قليلة بالنسبة لإثبات الجريمة لكنها قرينة قاطعه للفعل ،مشيرا إلى انه حينما يشرح الطبيب الجثة والعثور على تلك القرينة القاطعة يأخذ بها القضاء النظامي.
وأضاف :"إذا كان هناك ضرورة لتشريح الجثة للوقوف على الجاني وماهية الجريمة فهذا لا شيء فيه لان الضرورات تبيح المحظورات".
وعن الحالات التي يباح فيها التشريح أشار الجوجو إلى انه لابد من وجود ضرورة من اجل التشريح وان تكون بناء على إفتاء من المفتي وتقديم شيء من أية جهة شرعية ، موضحا بأنهم لا يكتفون فقط برأي الطبيب بالتشريح،موضحا بأنه لابد من وجود توصية بكافة أمور التشريح ، وما ليس له علاقة بالدين يرفض.
وأضاف:" ضرورة الحصول على تصريح للتشريح تطبق وفقا لكرامة الإنسان وهو ميت ،وذلك من خلال التقدم بطلب ليتم الموافقة عليه من جهة الإفتاء".
ويبقى السؤال مطروحا : إلى متى ستبقى معامل التشريح والطب الجنائي خالية من الأجهزة اللازمة للطب الشرعي، ويترك المحامون يتحايلون على القضاء لمصلحة موكليهم ؟ .