"إذا لم نستطع ردعهم الآن وهم بلا سلاح نووي فكيف سنستطيع ردعهم عندما يمتلكونه".. هذا هو المبرر الذي يتصدر موقف القيادات السياسية والعسكرية (الإسرائيلية) المؤيدة لتوجيه ضربة عسكرية لإيران من أجل وقف -أو تأخير- مشروعها النووي مقابل تحذيرات مستويات سياسية وعسكرية من مغبة هذه المغامرة دون دعم ومساندة من الولايات المتحدة.
وارتفعت خلال الأسابيع الأخيرة أصوات قرع طبول الحرب في حكومة الاحتلال، فرغم المعارضة (الإسرائيلية) الداخلية والأمريكية فإن القيادة (الإسرائيلية) تواصل الرقص على قدم واحدة وتلف حول نفسها كراقصة "باليه" أمام الأمريكيين.
الأصوات (الإسرائيلية) التي تحذر من اقتراب موعد الهجوم هي قيادات أمنية وعسكرية خارج المؤسسة الرسمية, ولكن لا يمكن تجاهلها, فمن بين هؤلاء رئيس الاستخبارات الحربية (الإسرائيلي) السابق أهارون زئيفي فاركاش الذي قال إن قرار شن هجوم (إسرائيلي) ضد المنشآت النووية الإيرانية ليس بعيدا، ولكنه أكد معارضته لشن هذا الهجوم.
وأعرب فاركاش في مقابلة خاصة مع صحيفة "جيروزاليم بوست" (الإسرائيلية) نشرت مطلع الأسبوع عن قلقه إزاء شن (إسرائيل) هجوما ضد المنشآت الإيرانية في المستقبل القريب، وهي خطوة وصفها بأنها ستكون سابقة لأوانها.
"إذا كان قرع طبول المواجهة من (إسرائيل) يصل لإيران فإنه بالضرورة يصل إلى أسماع العرب ويخرق آذان الفلسطينيين على وجه الخصوص, إذ إنه سوف يزج بالمقاومة الفلسطينية على أنها لاعب رئيسي في أي مواجهة قادمة يقودها الاحتلال
"
ويحاول خبراء أمريكيون في المقابل تقديم تصور حول توجهات القيادة (الإسرائيلية) نحو المواجهة مع إيران، ويقدم ديفيد ماكوفسكي وهو خبير في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في هذه الصدد رؤيته حول الموقف (الإسرائيلي)، فيشير إلى أن المحادثات الأخيرة مع المسؤولين (الإسرائيليين) تكشف عن مجموعتين من (الإسرائيليين) ينظرون إلى السياسات الأمريكية على أنها محفزات (غير مقصودة) للهجوم على إيران:
أولا: يرى هؤلاء المسؤولون أن هيكل الدبلوماسية الدولية الحالية مع إيران الذي تلعب فيه واشنطن دورا بالغ الأهمية ينطوي على عيوب قاتلة؛ إذ تقوم المحادثات النووية للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن+1 على فكرة أن رضوخ طهران للضغوط المستمرة هو مسألة وقت وأن بوسع المجتمع الدولي الانتظار، "والنتيجة هي ضعف الموقف حيال إجراءات بناء الثقة مثل مطالبة إيران بالتخلي فقط عن المستوى الأكثر تقدما لتخصيب اليورانيوم بدلا من مطالبتها بالتخلص من جميع تلك المواد".
ويضيف ماكوفسكي: "إضافة إلى ذلك ترى (إسرائيل) إخفاق قوى التحالف في الاعتراف بعجز الدبلوماسية مؤشرا على المماطلة للتيقن من أن (إسرائيل) لن تلجأ إلى هجوم أحادي الجانب، لهذا بدأ القادة (الإسرائيليون) يشعرون بالعزلة كما لو أنه لا يمكنهم سوى الاعتماد على أنفسهم عندما يتعلق الأمر بتسوية المشكلة النووية الإيرانية".
العامل الأمريكي الثاني –وفق ماكوفسكي- الذي يُحفِّز (إسرائيل) على شن هجوم هو القراءة غير الصحيحة للمناقشات الداخلية في (إسرائيل) حول تلك القضية، "فرغم تشكك بعض الشخصيات السياسية والعسكرية (الإسرائيلية) في الحماس الذي أبداه كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك لشن هجوم فإن تلك المعارضة تعتقد بأن بإمكان الولايات المتحدة ضرب إيران بفعالية أكبر مما تستطيع (إسرائيل)، ولا يرى أي وزير أن إيران المسلحة نوويا يمكن احتواؤها كما كانت الحال مع الاتحاد السوفيتي، بل يعتمد البعض على الأمل بأن تشن الولايات المتحدة هجوما على إيران أو تفرض ضدها عقوبات تعجيزية إضافية".
وطبقا لهذه المدرسة الفكرية يمكن للجهود التي تقاد بواسطة الولايات المتحدة أن تسمح للتحالف متعدد الأطراف بمواصلة فرض العقوبات في أعقاب شن هجوم مما يحد من فرص طهران في استيراد المواد المطلوبة لإعادة إقامة البرنامج بالكامل.
ويتابع ماكوفسكي: "إذا لم يحدث تغيير في سلوكيات الولايات المتحدة سوف تزداد احتمالات شن هجوم (إسرائيلي) مع انغلاق نافذة العمل أمامها، فـ(إسرائيل) تخشى من أن تضع نفسها في موضع لا تستطيع فيه إلحاق ضرر قوي ببرنامج إيران النووي، مما سيرغمها على الاعتماد على واشنطن في المستقبل غير المنظور".
وبناء على هذه الرؤية للخبير فإن مسار التحرك (الإسرائيلي) نحو المواجهة يتحدد كليا بناء على المتغيرات في الساحة الأمريكية، لهذا السبب ورغم تحذير المسؤول الأمني (الإسرائيلي) السابق من أن شن هجوم على إيران سيكون خطأ فإنه لا يعتقد أن مثل هذا الهجوم سوف يكون قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تجرى في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
واستطرد: "حتى لو كان الهجوم ناجحا فهو سيقوض الشرعية التي يحتاج إليها؛ وذلك في إشارة إلى الدعم الدبلوماسي الذي تحتاجه (إسرائيل) في أعقاب الهجوم لضمان ألا يسمح للإيرانيين بإعادة بناء منشآتهم، والسباق صوب تصنيع قنبلة نووية".
ورغم الضباب والغبار الذي يلف المنطقة جراء أحداث الربيع العربي فإن ما يحدث في سوريا -الحليف العربي المهم لإيران- يحدد أيضا مسارات المواجهة في المنطقة, وبناء على ذلك يلعب الوقت عاملا مهما في تحديد نقطة الصفر لأي هجوم (إسرائيلي) محتمل خاصة في ظل المتغيرات المتسارعة في المنطقة، وهذا ما كان قد علق عليه عاموس يادلين -الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية (الإسرائيلية)- بقوله إن هناك خيطا رفيعا يفصل بين "التبكير المتناهي والتأخير المتناهي في الهجوم"، مضيفا: "خلال السنوات الستة الماضية انخفض الوقت الذي تحتاجه إيران لتصنيع أسلحة نووية فعالة من سنتين إلى ستة أشهر".
"مسار التحرك (الإسرائيلي) نحو المواجهة يتحدد كليا بناء على المتغيرات في الساحة الأمريكية
"
وقال يادلين: "الإيرانيون يدخلون الآن "منطقة الحصانة" التي تتمتع فيها منشآتهم النووية بالحماية اللازمة ضد أي هجوم"، مؤكدا أنه وعلى عكس ما حدث في الحرب الباردة عندما كانت هناك علاقات دبلوماسية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي فمن المرجح أن يكون هناك سوء فهم وخطأ في الحسابات بين طهران والقدس، "إذ لا يستغرق وصول الصواريخ الإيرانية إلى (إسرائيل) سوى سبع دقائق".
وإذا كان قرع طبول المواجهة من (إسرائيل) يصل لإيران فإنه بالضرورة يصل إلى أسماع العرب ويخرق آذان الفلسطينيين على وجه الخصوص, إذ إنه سوف يزج بالمقاومة الفلسطينية على أنها لاعب رئيسي في أي مواجهة قادمة يقودها الاحتلال، وهذا ما يطرح تساؤلات حول السيناريوهات المعدة فلسطينيا لأي مفاجآت حتى وإن بدى الطبل (الإسرائيلي) من أجل الرقص أمام الأمريكيين.
كل هذا يأتي مع الإشارة إلى المتغيرات التي طرأت على مواقف أهم الفاعلين في المقاومة الفلسطينية وهي حركة حماس التي ارتبطت بتحالف عسكري مع سوريا وحزب الله وإيران, ولكن يبدو أنه تقوض بعد الثورة السورية.
ولا يظهر في المقابل أن هناك بوادر في الأفق تشير إلى احتواء المواجهة في المنطقة بفعل برنامج إيران النووي, فرغم المصاعب الكبيرة التي تواجهها الولايات المتحدة فإن سياسة الاحتواء لإيران لا تبرز على جدول أعمال القيادات الأمريكية خلال السنوات الأخيرة.
ويرى ديفيد كريست وهو مؤرخ بارز في الحكومة الأمريكية ومستشار خاص لرئيس القيادة المركزية الأمريكية في هذا السياق أنه ورغم أن الأزمة حول برنامج طهران النووي قد أشعلت عدم الثقة المتجذرة بين الدولتين (إيران وأمريكا) فإن هذه هي فقط إحدى القضايا الكثيرة المسببة للخلاف بينهما، "ونتيجة لذلك فإنه حتى لو يتمكن الطرفان من حسم المشكلة النووية دبلوماسيا فإن الحرب الأمريكية الكبرى القادمة ستكون على الأرجح ضد إيران".
أما السفير جيمس جيفري الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة في كل من العراق وتركيا فيعتقد أن الأهم من كل هذه المُعطيات هو حقيقة أن إيران ترفض جوهريا أي فكرة ترسخ "عصر الهيمنة الأمريكية" على الشرق الأوسط، "وما دام الأمر على هذه الحال فإن هذين البلدين محكوم عليهما أن يظلا عدوَّين".