وحدَهم، في إِسرائيل، في رئاسةِ حكومتها وجيشِها وجرائدها أمثلة، أَخذوا على محمل الجدِّ هزلية عادل إمام في مسلسلِه “فرقة ناجي عطا الله”، وحاولوا أَنْ يسوقوا علينا استعباطاً توهَّموا أَنه ميسور، حين اعتبروا أَن المسلسل “يحضُّ على كراهية إِسرائيل”، وكأننا، نحن العرب، مولعون بالدولة المذكورة، وشغوفون بشمائلها السمحة، أَو أَقلُّه، علينا أَنْ نكون كذلك، ولكن، جاءَ عادل إمام ليجعلنا نكرَهها.
تقول نخبٌ وازنةٌ في الدولةِ العبرية مثل هذا الكلام من دون أَدنى شعورٍ بسخفِه، وهذا أوفير جندلمان، المتحدث باسم بنيامين نتنياهو، لا يرى هدفاً من “فرقة ناجي عطا الله” غير التحريض على إِسرائيل وكراهيتها، حين لا يصوِّرُها ومواطنيها بشكل واقعي.
ويحتاجُ المرءُ إِلى أَرطالٍ من البلاهة إِذا نقَّبَ في حلقاتِ المسلسل عن الواقعيِّ وغير الواقعي، لأَنَّ الكاريكاتورية المرتجلة والمسخرة والمفارقات المفتعلة والوطنيات الوعظية الساذجة وحدَها ما شاهدناه في سرقةِ عادل إمام، مع بضعة شبان وشابة حسناء، بنكاً في إسرائيل، والتنقل بمليارات الدولارات في لبنان وسوريا والعراق والصومال، بعد وقفةٍ شهامةٍ في غزة.
يمكنُ إِدراج كلام جندلمان في متواليةِ الهزل نفسِه في المسلسل الذي لم يخلُمن بعض الاضحاك، كما النبرةُ العسكريةُ في كتابة سمدار بيري في “يديعوت أحرونوت” أَنَّ المسلسل “يعكس كراهيةً شديدةً لإسرائيل”، واستاءَت حضرتُها من عرضِه في التلفزيون المصري.
وثمة مقاديرُ غيرُ هيِّنةٍ من قلة العقل في “جيروزاليم بوست”، حين أَفردت مساحاتٍ واسعةً عن “الأَخطاء الكثيرة في فرقة ناجي عطا الله”، لتخلصَ إِلى أَنه “تحريضٌ خطيرٌ ضد إِسرائيل”، كما زملاؤهم في “معاريف” الذين تفاصحوا، فنشروا أَنَّ المسلسل “يتعاملُ مع بعض القضايا الإسرائيلية بالاستخفاف الشديد”.
تهونُ هذه السماجةُ مع مرافعةِ المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أَفيخاي درعي، وقد وضعَ فيها عمل عادل إِمام التلفزيوني ضمن “المسلسلات التي أَساءت إِلى معاني شهر رمضان، بكل ما يحويه من رسائل محبةٍ وتسامح وإِحسان، وجعلت منه وسيلةً لبثِّ سموم التحريض ضد أَبناءِ الشعب اليهودي ومواطني إِسرائيل”.
ويمضي الرجلُ في تخريفِه، فيقول إِنه “في وقتٍ تبحثُ فيه إِسرائيل عن السلام والتعايش، يحاول بعضٌ ممن يُصنِّفون أَنفسَهم مثقفين وفنانين توسيعَ دائرة التطرف والكراهية، والمتضرر الوحيد هو المشاهد نفسه، وخصوصاً الجيل الصغير”.
وبلا أَيِّ حياء، يُعلمنا الناطق باسم جيش القتل والإرهاب أَن رمضان شهر الصلاة والزكاة والرحمة، ما لا ينسجم مع عرضِ مسلسلٍ تلفزيونيٍّ فيه يتضمن “عنصريةً لا ترتبط بالدين الإسلامي بصلة”.
ما الذي يمكن التعقيب به على النتف الموجزة هنا، والمنتقاة من كمٍّ كثيرٍ مثلها، بغير القول إِنَّ إِسرائيل تتعاطى مع خرافتِها عن نفسِها بكيفيةٍ مرضيةٍ إِلى حدٍّ ما، حين تتوهَّم أَنَّ البديهيَّ أَن يتعاملَ معها العرب بطبيعية، فيحبّوها، أَو أَقله لا يكرهوها، فلا سببَ، بحسبِها، يستدعي اتخاذَ موقفٍ سلبيٍّ منها، وكأَنَّ المسألةَ تتعلق بحاجزٍ نفسي، على ما قال أَنور السادات يوماً، يأتي عادل إِمام في شهر الرحمة فيُشخِّص ما يزيدُه، بدل أَنْ يُساهم في هدمِه، وهو الذي أَبلغ سيمدار بيري أَنه يُؤيد السلام، لتفاجأَ في الشهر الفضيل بأَنه خدعها.
وهنا، لا نظنُّ عاقلاً عربياً تعاملَ مع المسلسل بأَيِّ قدرٍ من الجدية، فيما منسوبُ قلة العقل في إِسرائيل، دولة المائتي رأس نووي، كثير، وهذه مفارقةٌ مستجدّةٌ عنها، شكراً لناجي عطا الله أَنه أَضحكنا بها أَيضاً.