سليم عزوز
جعلوا رقابنا كالسمسمة من فرط الخجل، الهي وأنت جاهي يموتون بأنفلونزا الخنازير، أو في حادث ’توك توك’!.
هذا هو دعائي عندما شاهدت على الشاشة الصغيرة، ما جرى مع قافلة ’شريان الحياة’ أمام معبر رفح، والذي وصلت إليه بعد أن لفت حول الكرة الأرضية استجابة لأوامر أهل الحكم في مصر.
حالة من الخجل انتابتني، وأنا أشاهد الحشود الأمنية في حالة تسخين، تود ان تفتك بالمشاركين، في معركة غير متكافئة، والذين لم يقفوا مكتوفي الأيدي، فوقع ضحايا من بين الطرفين، وقد قدم لنا التلفزيون المصري الرائد ما جرى كما لو كان تحرشاً من الأعضاء ضد ’القوات المسالمة’، وذلك لحشد المصريين في معركة الشرف ضد هؤلاء الغزاة، تماما كما فعل الإعلام الرسمي عندما تم اقتحام الحدود ، وقيل انظروا الى الفلسطينيين الذين اعتدوا على ’الهيبة المصرية’ واحتلوا أراضينا. وكانت فتنة كقطع الليل المظلم.
للصحابي الجليل ابو ذر الغفاري قول بليغ نصه: ’عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه’.. لكننا لسنا في زمن الغفاري وصحبه، ولهذا فقد كنا أمام حالة من التربص السياسي والإعلامي، وقد جاء خرق الحدود للقوم على طبق من فضة ليداروا به سوءاتهم ومشاركتهم في خنق سكان غزة، تماما كما جاءتهم عملية مقتل الجندي المصري برصاص فلسطيني، رداً على ما جرى مع قافلة ’شريان الحياة’.. ومؤكد انه سيتم استثماره للتأكيد على ان الخطر يأتي من الحدود مع الفلسطينيين وبالتالي فان إقامة الجدار العازل بيننا وبينهم ضرورة!
عندما كان عماد أديب يتحدث لقناة ’دريم’ أشار بطرف خفي الى ما سيتم كشفه خلال الأيام القادمة عن عمليات تمثل خطرا على الأمن القومي المصري جاء عبر الحدود مع غزة.. وأشار الى ذلك أكثر من مرة، حتى هتفت ’حوالينا لا علينا’.. نحن في انتظار الأيام القادمة.. والحديث لن ينقطع بطبيعة الحال عن الخلايا التي كانت نائمة واستيقظت، وسوف نسمع تصريحات من صديقنا منتصر الزيات محامي الجماعات الإسلامية بأن الاعتراف الذي هو سيد الأدلة، لم يكن وليد إكراه، ولكنه جاء بعد ان شعر المتهمون بوخز الضمير.. الزيات قال ان موكليه في قضية خلية حزب الله لم يتعرضوا للتعذيب، على النحو الذي ذكره الجنرال المتقاعد فؤاد علام في احد اللقاءات التلفزيونية.. علام ضيف يظهر على الشاشات الصغيرة ما ظهر منها وما بطن أكثر من ظهور شيرين اه يا ليل.. ومعلوم ان الفضائيات اللبنانية تحتفي بالمذكورة بشكل مبالغ فيه، ويقال انها ’معبودة الجماهير’ هناك.. أرزاق!
عماد عاد وزاد في تلميحاته، ربما لأنه كان ينتظر سؤالا من المذيعة فينتقل الى درجة التصريح، حتى إذا ما تم الكشف عن عدد من الخلايا المستيقظة مبكرا، يتمكن من ان يصبح صاحب هذا السبق الإعلامي، وربما يريد التأكيد على انه مقرب من أهل الحكم، لأنه يعرف تفاصيل قضايا قبل الكشف عنها. لكن المذيعة لم ’تبل ريقه’ بسؤال ليصرح، فقد كانت في أسوأ حالاتها، الى الدرجة التي لفتت انتباه كثيرين الى التفاوت الرهيب بينها وبين ضيفها.. الذي استولى على الشاشة بـ’هيلمانه’ الجسدي وحضوره الطاغي، وقد تلاشت ولم يكن أمامها الا أن تفتح فمها ليظهر ’الضب’ وتختفي العيون.. حالة من البلاهة الفطرية غير المسبوقة!
*** نشرة ’العربية’
ما علينا، فمنذ ان حلت القافلة سالفة الذكر بالأردن وأنا أتابع خط سيرها، وقد أشبعت ’الجزيرة’، قناة الأعداء في قطر، فضولي هذا، فقد كانت تحركاتها هي الخبر الرئيسي.. ’العربية’ مشغولة بالحرب على الحوثيين والنضال اليمني ضد تنظيم القاعدة.. ومشغولة كذلك بأخبار خادم الحرمين الشريفين واستقبالاته، ربما لأنها تنافس ’الإخبارية’ الجبارة بعد ان عجزت في مهمتها الأساسية وهي منافسة ’الجزيرة’.. ولا اعرف من هو الذي سيشد الرحال الى ’العربية’ لكي يرى من استقبل جلالته، ويقف على من هاتفه عبر الهاتف الجوال ليبحث معه ’الوضع في منطقة الشرق الأوسط.. وقضية السلام في المنطقة’.. منذ ان وعيت على ظهر الدنيا وحكامنا ’يبحثون الوضع في منطقة الشرق الأوسط، وقضية السلام في المنطقة’.
نشرة تلفزيون ’بي بي سي’ العربي باهتة هذه الأيام، وتشبه نشرة ’الحرة’، والنشرتان تشبهان الى حد كبير ’الأكل المسلوق’ الذي يصرف للمرضى في المستشفيات.
حاولت القافلة ان تعبر الى رفح عبر ميناء نويبع، لكن القرار المصري كان بالدخول من العريش، واستجابت راضخة، ونشرت احدى الصحف الحكومية ’قافلة شريان الحياة ترضخ للأوامر المصرية’.. وتملكني وقتها الشموخ الوطني، وهو ما شعرت به قبل عام بالتمام والكمال عندما توقف العدوان الإسرائيلي على غزة فنشرت احدى الصحف الحكومية بالبنط العريض: ’مبارك يضغط وأولمرت يرضخ’.. لكن هيكل في برنامجه على قناة ’الجزيرة’ قال بعد ذلك ان توقف العدوان جاء بأوامر أمريكية، فأوباما لا يريد نقطة دم في لحظة إقامة مراسم تنصيبه.. مغرض هيكل هذا، فقد كان يريد ان يكون وزيرا للإعلام ويجلس على نفس الكرسي الذي يجلس عليه انس الفقي، لكن هيهات!
بعد أيام من العذاب والضنى وصلت القافلة ’شريان الحياة’ الى العريش، وجرى ما جرى، وتم استدعاء قوات امن تكفي لاحتلال إسرائيل لمواجهة نشطاء عزل، أضناهم السفر.. كانت مسخرة بكل المعايير، شعرت بالمصريين في الخارج وهم في خجل أمام من ’يساوي ومن لا يساوي’ جناح بعوضة، من تصرفات حكومة، لا يعنيها أمر المصريين في شيء، هي فقط تريد أن تنال الرضا الأمريكي، الذي من يحصل عليه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها.. فاتهم ان برويز مشرف كان رجل أمريكا الأول في باكستان، وكان يفعل كل ما في وسعه من اجل ان ينال الرضا، ثم انتهى به المطاف الى لا شيء تقريبا.. لا يذكر احد اسمه منذ ان اجبره الشعب الباكستاني على الخروج من القصر الجمهوري.
’الجزيرة’ نقلت ما جرى بحيادية، فقد كان لها مراسل مع القافلة، وكذلك كان للـ’بي بي سي’ ومع ذلك فان الفضائية البريطانية استعانت بمراسل لاحدى الصحف المصرية، فإذا به يتحدث بلسان امني مبين.. فالمرافقون للقافلة هم سبب ما جرى.. هم طبعا الذين تحرشوا بقوات الأمن.. وبطبيعة الحال فان هذه القوات قابلتهم بابتسامة عريضة.. كان الفتي يقول أي كلام، والمذيعة صامتة، ربما خشيت ان تقاطعه بسؤال فيزداد ارتباكه، ولا ينجح في أداء مهمته. الصحيفة التي يعمل بها خرجت عقب الأحداث لتؤكد ان جورج غالاوي يشيد بالدور المصري تجاه أهالي غزة!
أخيرا وصلت القافلة الى غزة، وربما كان وصولها أمرا مفروغا منه، لكن قومنا أرادوا بما جرى ان يقوموا بإرسال رسالة الى البيت الأبيض الذي لا ينفع في اليوم الأسود بأنهم الحارس الأمين على مصالح أمريكا واسرائيل، وان لديهم استعدادا للتضحية ولو بسمعتهم في سبيل ذلك، وهو أمر لن يفعله لا الدكتور البرادعي ولا ايمن نور، ولا أي بديل آخر.
’فضحتونا الهي تموتوا تحت عجلات ’توك توك’ غير مرخص لتضيع دماؤكم بين ’التكاتك’.. و’التوك توك’ لمن لا يعرف هو وسيلة مواصلات عشوائية بثلاث عجلات وتفقد مستقلها الهيبة والاعتبار.
قولوا: آمين’.
*** حصاد العام
لم أشاهد الحلقة الأخيرة من ’الاتجاه المعاكس’، لكن ما جرى فيها وصلني في نفس اليوم عبر الانترنت، وفي اليوم التالي عبر الأصدقاء، فقد ضمت اللواء متقاعد نبيل لوقا بباوي العضو المعين بقرار رئاسي في مجلس الشورى المصري، والدكتور عبد الحليم قنديل المنسق العام لحركة كفاية.. والموضوع هو الجدار الفولاذي العازل.. إذن اتضحت الرؤية.
نبيل لوقا بباوي مقرب من أهل الحكم يحبهم ويحبونه، يعينونه في مجلس الشورى، ولا يترك هو مناسبة إلا ويدافع عنهم باعتباره مسيحيا، وقبل الانتخابات الرئاسية الشهيرة بشهور، استيقظ سكان القاهرة على لافتات ضخمة تشير الى ان 15 مليون مسيحي يؤيدون الرئيس مبارك.. وهو صاحب العبارة التي دخلت التاريخ ونصها: ’الجنين في بطن أمه يؤيد الرئيس مبارك’.. إنطاق الأجنة ليهتفوا بتأييد الرئيس هي قدرة من رجالات الحزب الحاكم، وسبق لوزارة الداخلية ان أحيت الموتى ليؤيدوا مرشحي هذا الحزب في كل انتخابات.. والكشوف الانتخابية مليئة بهؤلاء الموتى، الذين لم يتوقفوا عن الشهادة الزور، أحياء وأموات، وقد تم بطلان الانتخابات في عشرات الدوائر بأحكام قضائية بسبب ذلك!.