مُنْذُ دَخَلتْ أوّل دَبَّابة مصْريّة إلى سيناء والتعليقات لا تَنْقطع على مصيرِ معاهدة كامب ديفيد بين القاهرة و"تل أبيب"، وفي الولايات المتحدة تَعالتْ مُجدَّداً أصواتٌ تَرْبط على نحوٍ شَرْطي بين المساعدات الأمريكية لمصر وبين عدم المساس بالمعاهدة.
وهذا بالضبط ما كتبه المستشار الأسبق للرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط "دينيس رُوسِ" في "الواشنطن بوست"، بحيث بَدَتْ العمليّة الإرهابية ضد ستة عشر عسكرياً مصرياً مناسبة مُتَعدّدة الزوايا وقابلة لِعَدّة تَأويلات، فثمة مَنْ رأى في الحدث مناسبة للرئيس المصري محمد مرسي بحيث يجري تلك التَّغييرات على نحوٍ دراماتيكي في القوات المُسَلّحة، بعد أن سُلِّمَ الجيلُ الثاني لطنطاوي وعنان المناصب الأولى في الجيش.
وبالطبع لا نَسْتَبْعد مثلَ هذه التَّأويلات للمناسبة، لأنها كانت مُتَزامِنة مع تَسَلّم الرئيس مرسي منصبَهُ الرئاسي، ولما يشاع في الأوساط العسكرية والمدنية في مصر عن كون الرئيس بلا صلاحيات بعد أن نزعها منه الإعلان الدستوري التكميلي الذي سماه أنصار مُرسي "التكميمي"، لأنه يشلُّ إرادة الرئيس ويحدّ من صَلاحياته إلى ما دون الحدِّ الأدْنى.
وفي صحيفة "معاريف" نُشِرَتْ مقالة قبل يومين لبردنشتاين عن وجود الدبّابات المصرية في شمال سيناء، نقل من خلالها المناخ السّائد الآن في "تل أبيب" عن هذا الأمْر الذي سُميّ تجاوزاً واختراقاً لخطوط كامب ديفيد الحمر.
ولم يكن غريباً أن يبدأ الاعتراض على دخول الدبّابات المصرية إلى سيناء من خلال الولايات المتحدة، وذلك لأن لها صفة مزدوجة، فهي من ناحيةٍ تعدّ أمن الدولة العبرية جزءاً عضوياً من أمنها، ومن ناحية أخرى راعية تلك المعاهدة التي أنْجزَت في عهد الرئيس جيمي كارتر وبرعايته.
سيناء ملف صعب، كان مَطْويّاً لعقود، وَثَمّة من المصريين مَنْ يرون أن أعمال الشَّغب والإرهاب في سيناء تَنامَتْ في غياب الدولة، وفي غياب الكثافة السكانية، فثمّة مناطق في شبه الجزيرة شبه خالية من السّكان، إضافة إلى البطالة التي أفرزتها عقود عجاف، لم تكن فيها سيناء ذات أوْلَويّة في المشاريع والخطط الإنمائية، رغم حاجتها إلى ذلك، وتوافر العناصر الأساسية لتحقيق تلك المشاريع في حال جودها.
ورغم أن مَقْتلَ العَسْكرّيين المصريين كان مناسبة لفتح هذا الملف، فإنّ هناك الكثير الذي قيل في مصر بعد ثورة يناير عن موقف مَنْ يَخلِفُون مُبارك ونظامه من المعاهدة، فهي بالنسبة إلى البعض ليست مقدسة أو أبدية، بل قابلة لإعادة القراءة ولتحديد مدى التزام الطَّرفين ببنودها.
ما تراه "تل أبيب" اختراقاً وَتَجاوُزاً من الدبّابات المصرية هو استحقاق تنامى خلال عقود الصّمت عن سيناء، وكانت عبارة استعادة سيناء وتحريرها كافيةً من الناحية الإعلامية لإشعار المصريين بأن سيناء جزء من وطنهم. لكن ما إنْ أعيد فتح الملف حتى تطاير الكثير من الرَّمل، وعاد السّجال الوطني إلى حيويته القديمة في نهاية السبعينات من القرن الماضي في ما سمي يؤمئذٍ المسألة السِّيناوية.
فإذا كان المطلوب هو الحَظْرُ على القُوّات المُسلّحة المصرية من التجول في سيناء حتى لو تطلب الأمن القومي ذلك، فإن هناك وراء أكمَات كامب ديفيد وكواليسها ما لا يعرفه الناس، وتصاعدت النَّبْرة الاعتراضية حِدّة على الموقف العسكري في مصر بعد أن دخلت إلى أجواء سيناء مَرْوحيّات عسكرية لاستكمال معركة تخوضها العسكرية المصرية ضد عمليات قتل واختطاف وتدمير منشآت في سيناء. فهل ستكون دبّابات سيناء هي مناسبة أيضاً لإعادة النظر في معاهدةٍ محروسةٍ بالرعاية الأمريكية ومشروطةٍ بمساعداتها لمصر؟
صحيفة الخليج الإماراتية