ياسر الزعاترة
"الرد سيكون مزلزلاُ". "اعتداءات فلسطينية على الحدود، قافلة غالاوي تحرق العريش". "رصاص حماس يقتل جندياً في رفح.. لنا الحق في حماية حدودنا". "يجب أن يعلم القتلة والخونة أننا لن نتهاون معهم أبداً إذا أقدموا حتى على عمل أقل وقاحة مما ارتكبوه. إن الغدر طابعهم والخسة والندالة دستورهم". "هذه هي جريمة حماس البشعة، ودم الشهيد المصري أحمد شعبان في رقبتها، ولا بد أن تدفع الثمن". "هؤلاء الفلسطينيون الذين يزعمون البطولات هم الذين باعوا أراضيهم عام 48 وحصلوا على الأموال ليفقدوها مرة أخرى في سهرات حمراء داخل "إسرائيل"، ولم يستطيعوا حتى الآن تحرير أراضيهم من الاحتلال، ويتاجرون بالقضية وبشعب فلسطين". "لن نخضع لقطاع الطرق.. وشريان الاغتيالات. المصريون هم السادة وقوانيننا فوق الجميع". "يا ثوار "الحجارة".. أو من صدقتم أنكم كذلك.. ألف "خيبة" و"خيبة" عليكم.. يا من عميت عيونكم.. فخسرتم الأهداف.. وضللتم الوسائل.. لتميد بكم الأرض إلى أسفل سافلين .. والأيام بيننا..".
هذه مجرد عينات مما حفلت به الصحف المصرية "القومية" خلال اليومين الماضيين بحق الفلسطينيين، ولو تتبعنا ما بثته الفضائيات من سباب وردح لكان المشهد أكثر بؤسا بكثير، وقد جاء ذلك كله إثر الأحداث التي شهدتها مدينتا العريش ورفح على خلفية العوائق التي واجهت قافلة شريان الحياة، وعلى خلفية الجدار الفولاذي الذي يبنى على حدود القطاع، بخاصة بعد استشهاد الجندي المصري برصاصتين غامضتين (في الظهر) يقول كثيرون ولديهم أدلتهم (من بينهم مصريون) أنها جاءت من الجانب المصري، فيما تسبب ذات الرصاص في إصابة عشرات الفلسطينيين من بينهم اثنان في حالة موت سريري وستة في حالة الخطر.
تُذكرنا هذه الزفة الجديدة بحق الفلسطينيين بجولات سابقة، كما تُذكرنا بزفة قريبة بحق الجزائر والجزائريين، وهي حملات لا يحتاج المرء إلى كثير من الذكاء لكي يدرك الأبعاد السياسية التي تحركها، وإلا لوجب اتهام الصحف المصرية المستقلة بعدم الانتماء لمصر لأنها لا تشارك فيها.
من العبث القول إن حماس كانت تريد قتل الجندي المصري، وأقسم أنك لو سألت قادتها لتمنوا أن يكون الشهيد من عناصر الحركة بدل الجندي المشار إليه، ليس فقط لأنها غير معنية بمعركة من هذا النوع مع النظام، ولكن أيضاً لأنها تدرك أن خسارتها لهذا الأخير لا ينبغي أن تنسحب على الشعب الذي يقف معها ومع سائر الفلسطينيين رغم الحشد الإعلامي المعاكس.
كان لافتاً بالطبع أن يخرج من بين الفلسطينيين من يمارس الإدانة بحق شعبه كما فعل السفير الفلسطيني في القاهرة وعدد من الناطقين باسم السلطة وقيادتها، وهي ممارسة عنوانها الثأر السياسي بعيداً عن مصالح الشعب وحتى القضية التي تلخصت عندهم في طاولة المفاوضات (أليست الحياة مفاوضات؟).
من الواضح أن الحملة الجديدة التي استثمرت دماء الجندي المسكين (رحمه الله) هي لون من ألوان الرد على تعاطف المصريين الاستثنائي مع الفلسطينيين، ورفضهم الحاسم لفكرة الجدار، وإعلان قطاعات واسعة من بينها استنكارها الشديد لبنائه.
والمؤسف بالطبع أن شيئاً من هذه اللعبة ينطلي على البسطاء الذين يسهل استنفار مشاعرهم الوطنية عبر حملات الصحف والفضائيات التي ركزت على جنازة الجندي وبؤس أهله، هي التي تجاهلت حوادث مشابهة سقط فيها جنود مصريون برصاص القوات الإسرائيلية، ولم يحصلوا على ما هو أكثر من اعتذار عابر.
هذا التحريض بحق الفلسطينيين لن يستر عورة المواقف السياسية، فما هي سوى أيام حتى يعود المستنفَرون إلى رشدهم ويدركوا أن الفلسطينيين في قطاع غزة لا يخططون لاحتلال سيناء، فضلاً عن القاهرة، وأنهم يحتجون فقط على منع الطعام والدواء، مع أنهم يشترونه بأسعار أعلى من أسعار السوق الطبيعية.
لا حاجة هنا لتكرار فكرة المصالحة كحل للمعضلة، لأنها مصالحة عنوانها الاستسلام لشروط المحتل، وليس لبرنامج وطني يحرر الأرض ويعيد الكرامة.
يبقى القول إننا واثقون من أن الوعي الجمعي للمصريين سيكون عصياً على حملات التحريض ضد الأشقاء، حتى لو أخذته الحمية واستجاب للتحريض بعض الوقت، لاسيما أنه هو يعاني أكثر من الفلسطينيين من أوزار السياسة في الداخل والخارج.