قد يقول قائل: ما هذا العنوان الكبير الذي يضخم ويؤطر دور الموساد الصهيوني في مصر..!
وقد يتساءل آخر: ألا يندرج ذلك يا ترى في سياق "الطابور الخامس" والحرب النفسية..!
بينما قد يشرح ثالث أهمية تسليط الضوء دائماً على العدو وأجهزته الاستخبارية الفاعلة دائماً، والتي لا تتوقف عن العمل في البلاد والمجتمعات العربية، ونحن نقول بدورنا بمنتهى البساطة، أن الكيان الصهيوني يعتبر نفسه في حالة صراع وجودي مع العرب، وأنه في حالة حرب مفتوحة حتى في ظل معاهدات السلام المعقودة، التي لم تخدم سواه عملياً، فتلك الدولة لا تنام أبداً، وتواصل حروبها ونشاطاتها في كل البلدان العربية ولا استثناء لأي دولة منها، فقد كنا على سبيل المثال وثقنا "حروب إسرائيل في العراق"، و"دور الموساد في اغتيالات النخب العلمية والأكاديمية العراقية"، وغير ذلك، وكنا أيضاً وثقنا دور الموساد في تفجيرات سبتمبر/2001 وتداعياتها التي لم تخدم حتى اليوم سوى الأجندة الصهيونية. واليوم نأتي لنوثق كذلك دور الموساد في أكبر وأهم دولة عربية هي مصر،التي تحتل مركز الأولويات الاستخبارية الصهيونية، ولا مبالغة في ذلك، فحينما يعلن الموساد الصهيوني "إن مصر أكثر الدول العربية عداءً لإسرائيل وغالبية كتابها يتمنون زوالها من على الخريطة"، وحينما تتهم المخابرات الصهيونية في بحث حمل عنوان: "إسرائيل في الكتب العربية" وأشرف عليه ضابط المخابرات المقدم د. رئيوفين أرليخ، (قالت إنها استندت فيه إلى ألفي كتاب وأجرته بالتعاون مع مركز المعلومات الاستخباراتية والإرهاب) الكتابات التي صدرت في مصر خلال السنوات العشر الماضية بأنها تحرض ضد إسرائيل والشعب اليهودي"، وحينما تجمع المؤسسة العسكرية الصهيونية على"ان الجيش المصري ما زال يشكل اكبر تهديد وتحد لإسرائيل"، فان ذلك يوضح المناخات العدائية التي تعمل في إطارها المؤسسة العسكرية والأمنية والسياسية الصهيونية، ما يؤشر إلى أن أجهزة الاستخبارات الصهيونية لم تتوقف عن نشاطاتها العدائية في مصر على الرغم من أكثر من ثلاثين عاماً من معاهدة السلام والتطبيع الرسمي بينهما.
فلماذا تقوم "إسرائيل" إذن بالتجسس على مصر رغم معاهدة السلام الموقعة بينهما، ورغم انتهاء حالة الحرب التي كان أعلنها في عهده الرئيس السادات في أعقاب أكتوبر/1973 "أنها آخر الحروب"...؟
المصادر الاستخبارية الصهيونية لا تخفي حقيقتها، فهي تؤكد أن التجسس جزء أصيل وأساسي في العلاقات الإسرائيلية مع جميع الدول، حتى الصديقة منها مثل الولايات المتحدة، وبالتالي فإن التجسس الصهيوني على الدول العربية وبخاصة على مصر، يأتي على رأس أولوياتها على الرغم من حالة السلام، فهذه هي طبيعة الدولة الصهيونية التي قامت وتقوم وتتواصل على الحراب والحروب، والتجسس الاستخباري يحتل مقدمة حروبها المفتوحة منذ عام 1948.
ولعل الشهادة الحديثة جدا التي قدمها اللواء المصري أحمد رجائي عطية، أحد قادة ومؤسسي العمليات الخاصة في مصر -في حواره مع مجلة "الأهرام العربي"، أجراه هاني بدر الدين، وتنشره المجلة في عددها الجديد - حول دور الموساد في مجزرة رفح، إنما تعزز كماً هائلاً من الوثائق والشهادات السابقة في هذا الصدد، فكشف اللواء عطية النقاب عن: "أن هناك وحدة إسرائيلية اسمها 242 تابعة للموساد الإسرائيلي، أنشئت عام 1971 في سيناء لها يد في مذبحة رفح"، موضحاً: "وهناك غيرها وحدات أخرى مختصة بكل بلد أو منطقة، حيث أنشأ الموساد مجموعات تكون وثيقة الصلة بالمكان الذي ستعمل به، وتتولى غرس أعضائها في تلك المناطق، ويكون هؤلاء العملاء يشبهون من يعيشون بتلك المناطق ويعيشون مثلهم، فيكونون مثل الخلايا النائمة، موضحا تفاصيل تلك المجموعة الإسرائيلية الخاصة وأسباب هجوم رفح، والغرض منه، والأهداف الغربية للسيطرة على سيناء، ببسط سيطرة "إسرائيل" على شمال سيناء، وسيطرة الاتحاد الأوروبي على الجنوب، مطالبًا بالالتفات لتلك المخططات، والعمل على وقفها وسرعة تنمية وتعمير سيناء".
المؤسف في هذا المشهد، أن الحرب الاستخبارية هي من جانب واحد فقط، بعد أن كانت الاستخبارات المصرية سابقا في عهد الراحل عبد الناصر، تسجل نجاحات مبهرة وحقيقية في حربها الاستخبارية ضد "إسرائيل"، بينما أجهزة امن العرب اليوم تنشغل في مواجهة شعوبها وحروبها الداخلية والبينية العربية، فلا يستغربن أحد الحديث عن حروب للموساد في مصر أو في أي دولة عربية أخرى، إلى حين تتبدل الأحوال العربية، ويلتفت العرب إلى أخطار المشروع الصهيوني التي تمتد إلى العواصم العربية..!
صحيفة العرب اليوم الأردنية