قائد الطوفان قائد الطوفان

رغم شح المواد الخام

نبض الحياة يعود ببطء إلى شوارع غزة المعطلة

عمال يجرون عمليات صيانة لأحد الشوارع الرئيسية في مدينة غزة
عمال يجرون عمليات صيانة لأحد الشوارع الرئيسية في مدينة غزة

غزة- عدنان نصر-الرسالة نت

عادت الحياة تنبض من جديد في أوصال شارع النصر وسط مدينة غزة، بعد أن شلت حركته بشكل نسبي لأكثر من عامين، فعلى قدم وساق شرع عمال بلدية غزة في تبليط  مدخل الشارع ببلاط "الانترلوك" تحت أشعة الشمس ، بدلاً من مادة الإسفلت التي صنفها الاحتلال الإسرائيلي ضمن قائمة الممنوعات.

ودفع التفاؤل الملحوظ على وجوه بعض أصحاب المحال التجارية إلى تلميع واجهة متاجرهم الزجاجية، التي غطتها الأتربة والغبار طيلة السنوات الماضية، كما لم يمنع بعضهم من  إجراء أعمال الصيانة اللازمة.

وارتسمت فرحة غامرة على وجوه الأطفال الذين يلهون بدراجاتهم الهوائية على أرضية الجزء الذي انتهت بلدية غزة من تطويره قبالة منازلهم، في حين تشجع بعض السائقين في عبور الشارع الذي شهد هجران المركبات وقت طويل.

مشاعر مختلطة

الشعور بالرضا والارتياح بدا جليا على وجه المواطن وديع الحداد (51 عاما)، الذي وصف خطوة البلدية لتطوير الشارع بالايجابية، متمنيا أن تنهي أعمالها في أقرب وقت حتى يعوض خسارته.

ويقول الحداد الذي تهللت أساريره فرحا: "تنفيذ المشروع خطوة في الاتجاه الصحيح، فلقد منيت بخسارة فادحة، وتعطل مشروعي الاستثماري "مستشفى صقر التخصصي"؛ بسبب وعورة الشارع الذي لم تطأه أقدام المواطنين.

ويعتبر شارع النصر من الشوارع الشريانية في مدينة غزة، حيث يصل وسط المدينة بحدودها مع جباليا، ويساهم في حل مشكلة الاكتظاظ المروري في المدينة خاصة من وسطها إلى شمالها.

وكانت بلدية غزة شرعت بعمل بنية تحتية من أجل تعبيد الشارع، وجرفت جانب منه حتى تستمر الحركة المرورية والتجارية، لكن الحصار المزمن عرقل تنفيذ المشروع.

وإن كان أصحاب المحلات التجارية في بداية الشارع يعبرون عن مدى سعادتهم- فإن تلك الفرحة المنقوصة رسمت مشاعر اليأس والسخط على غالبية المواطنين الذين لم تصلهم أعمال التطوير بعد.

فالمواطن جعفر الحلو (27 عاما)، الذي يمتلك معرضا للمفروشات الفاخرة، يقتل وقت فراغه بمشاهدة التلفاز، ويصف الحلو ملامح الحياة قبالة متجره بالمعدومة، لاسيما بعد أن تقترب عقارب الساعة من الخامسة مساءً.

وتبدو المحال التجارية القريبة بالمعدومة، فالغبار يغطي واجهاتها الزجاجية،  الذي يتصاعد كلما مرت إحدى السيارات  فوق الشارع الوعر،  فيما أغلق العديد من المواطنين أبواب محالهم  في وقت الظهيرة.

ويشير الحلو إلى أن وعورة الطريق، وكثرة الحفر منعت المواطنين من التسوق، ما أوقف حاله، وقلص حركة الشراء لمفروشاته.

ويقول" للرسالة" بكلمات مقتضبة يغلبها التشاؤم: لن تعود الحياة لمجاريها في شارع النصر، إلا بتبليطه كاملا، فالزبائن يفضلون التسوق من شارع عز الدين القسام "الشفاء" ، مشيرا إلى أن المنطقة أصبحت مهجورة في وضح النهار.

إمكانيات محدودة

حال الدكتور ماهر الغزالي الذي يمتلك صيدلية قريبة من عيادة السويدي لم يكن أفضل من سابقه، فالداخل إلى صيدليته بحاجة لحذر شديد كي لا يتعثر من قطع البلاط المخلوعة التي رصت بطريقة عشوائية.

وقدر الغزالي خسارته المادية بنسبة 80%، لانعدام الحركة المرورية، واصفا حركة البيع التي لازمته منذ تجريف الشارع بالسيئة.

ويعزو الغزالي قلة المرضى الوافدين لصيدليته؛ بسبب المطبات الكثيرة التي تعيق مرور السيارات في أغلب الأحيان.

وعقب على عملية تطوير الشارع بأنها خطوة متأخرة، فبلدية غزة لم ترحمهم من دفع ضريبة الحرف طيلة الفترة الماضية، وتقديمهم للمحاكم رغم ظروفهم الصعبة، مشيرا إلى أنهم قدموا عريضة للمجلس البلدي لكنه لم يرأف بحالهم.

ويأمل الغزالي بفارغ الصبر كبقية أصحاب المحال التجارية إنهاء المشروع، وعودة الحياة إلى طبيعتها في شارع النصر، بعد أن هجره المواطنين.

وبخلاف ذلك فان حركة الشراء تزدهر قبالة عيادة السويدي التابعة لوكالة الغوث للاجئين، التي ينتشر أمامها العشرات من أصحاب البسطات، الذين تقطعت بهم السبل ولم يجدوا منفذا آخر للعيش.

ولا يقتصر الحال على أصحاب المحلات التجارية، فسائقو السيارات يخشون من دخول الشارع مهما كانت الأسباب والأثمان حتى لا تتعطل مراكبهم، ويتحملون أعباءً مالية.

وينتاب  السائق نافذ خضر(45 عاما) شعورا بالسخط عند دخوله لشارع غير معبد، ويقول بكلمات بائسة: أقع في حرج شديد عندما يطلب مني مسنا توصيله إلى منزله، فأسلك طريقا شاقا مليء بالحفر، ما يكلفني مصروفا إضافيا لإصلاح سيارتي، نتيجة ارتطامها المتكرر بالمطبات.

وفي كل الأحول يرفض خضر دخول شارع النصر ولو لعشرات المترات، لينأى بنفسه عن تلك المتاعب، ودفع الأموال لصيانة الأعطال التي يمكن أن تصيب سيارته.

وأشار المهندس حاتم الشيخ خليل مدير العلاقات العامة ببلدية غزة  إلى أن شارع النصر سيشهد تطويرا كاملا عبر عدة مراحل.

وقال الشيخ خليل " للرسالة نت": مراحل التطوير ستكلف البلدية مبالغ مالية طائلة، لاعتمادها على شراء الأسمنت  المهرب من الموردين، وتسليمه لمصانع الانترلوك التي تصنعه وفق احتياجات البلدية، مضيفا أن الفترة الزمنية لكل مرحلة ستستغرق أسبوعا حسب كمية الأسمنت المتوفرة.

وأوضح أن بلديته فشلت في الحصول على مادة الإسفلت لترقيع بعض الشوارع، بسبب تشديد الحصار الذي ساهم  في نقص المواد الخام، لافتا أن شوارع غزة تحتاج كميات كبيرة بسبب الضرر الذي أصابها.

ونوه أن بلديته تمكنت من صيانة بعض الشوارع بإمكانيات متواضعة من مخلفات الركام للمقار الأمنية المدمرة، واستخدام البلاط في عملية ردم الحفر للتخفيف من حدة الأزمة.

وكانت وزارة الأشغال العامة والإسكان استفادت من ركام المباني في مجالات مختلفة، فالأجزاء الكبيرة من القطع الأسمنتية تستخدم في تدعيم الميناء البحري الذي تعرض لقصف البوارج الإسرائيلية أثناء الحرب، أما قطع البلاط والأسمنت الصغيرة فتستخدم في تصنيع  مواد البناء والتشطيب.

لأول مرة

وشرعت بلديات القطاع المحاصر في الآونة الأخيرة بأعمال صيانة واسعة للشوارع المهترئة، وتسوية المطبات قبل فيضانات  الشتاء الجارفة.

وتفاقمت أزمة الطرق بعد الحرب الإسرائيلية التي دمرت البنية التحتية للعديد من الشوارع، الأمر الذي شكل عبئا  كبيرا على السائقين بسبب الحفر الموجودة فيها.

وتعهدت دول مانحة في شباط بأكثر من أربعة مليارات دولار لإعادة إعمار قطاع غزة، غير أن إعادة الاعمار بشكل منظم ما زالت معلقة، وتطالب "إسرائيل"  حركة حماس بإطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط المحتجز في غزة منذ نحو ثلاث سنوات قبل تقديم أي تنازلات وإدخال المواد الخام للقطاع.

وكانت بلدية خانيونس جنوب القطاع  قد قصت مساحات كبيرة من بعض الشوارع  في حي الأمل، شملت شارع القدرة، والكتيبة، والمدرسة، ما دفع السائقون لاتخاذ مسارات التفافية، فيما أغلق أصحاب المحال التجارية أبواب محالهم.

وصب المواطن أبو محمد المصري (54 عاما)، جم غضبه على أعمال الصيانة التي منعت السائق من دخول شارعه وتوصيله إلى باب منزله، وجلس للحظات يفكر في حمل أكياس الخضروات التي أنزلها من السيارة، وقطع مشوار طويل إلى بيته.

وأسعفه هاتفه المحمول في طلب الاستغاثة من ابنه محمد (20 عاما)، الذي حضر بسرعة البرق لمؤازرة والده في حمله الثقيل.

وتمنى المصري ألا تطيل أعمال الصيانة في شارعه، حتى لا يصبح وحلا يعيق مرور المواطنين في فصل الشتاء.

وأشار أ. محمد الفرا رئيس بلدية خانيونس أن بلديته أنهت رصف 3000 متر مربع من شارع الكتيبة  بمادة الإسفلت التي تصنع لأول مرة في قطاع غزة.

وقال " للرسالة نت": المشكلة الحقيقية تكمن في إغلاق المعابر، و منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال المواد اللازمة لتعبيد الطرق، أو صيانتها.

ويعزو الفرا التأخير في تعبيد المساحات المذكورة من الشوارع المذكورة إلى نقص مادة" البيتومين" المستخدمة في صناعة الإسفلت بسبب دخولها عبر الأنفاق،كما أنها بحاجة لعملية طويلة في التصنيع تكلف ضعف السعر الطبيعي.

وطمئن المواطنون أن بلديته ستنهي أعمال الصيانة قبل نهاية شهر رمضان المقبل، مشيرا إلى أن الحافة الغربية من شارع الكتيبة ستشهد أعمال صيانة بتمويل من جمعية الرحمة الكويتية.

الإصلاحات التي يقوم بها المسئولين ما هي إلا قطرة في بحر بالمقارنة مع حالة البنية التحتية في القطاع المحاصر وحجم الأضرار الناجمة عن الهجوم العسكري الإسرائيلي الذي استمر ثلاثة أسابيع في الشتاء الماضي.

ويبقى المواطنون ينتظرون على أحر من الجمر إنهاء أعمال الصيانة قبل قدوم الشتاء، وإلا فإن سيولها ستجرف أمانيهم، وتظلل عليهم أوضاعا اقتصادية خانقة .

 

البث المباشر