قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: سيناء وسيادة مصر

عند الحديث عن انتفاضة 25 يناير المصرية، يعيد بعض الباحثين والمحللين أسبابها إلى الاستبداد والفساد، ويرون فيهما علة كل مشكلة ظهرت في عهد حسني مبارك، وإليهما يعيدون وبهما يفسرون حالات انعدام الحريات، وانتشار الفقر، وتردي مستويات المعيشة، وكذلك تراجع أهمية مصر ودورها الإقليمي والدولي. وهو كلام صحيح، لكنه يقع في إطار العموميات.

وبعض آخر يتوسع فيقول، إن لها أسباباً عديدة، سياسية واقتصادية واجتماعية، وقد يأتي على بعض التفاصيل. وهو أيضاً كلام صحيح، لكنه وإن بدا أقل عمومية من سابقه، إلا أنه لا يضع الإصبع على "الحلقة المركزية " في السلسلة. أما المدقق في المسألة، فيستطيع أن يختصر من دون أن يقع في التعميم، فيجد السبب الحقيقي للانتفاضة متمثلاً في تنازل النظام المصري، منذ عهد السادات، عن السيادة المصرية. ذلك التنازل الذي تجسد في التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد، ثم في "معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية "، إذ كانتا الباب الواسع الذي دخل منه الفساد والاستبداد، وكل ما أفرزاه من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية.

ولم يفت هذا الأمر على منسق حركة "كفاية "، محمد عبد العزيز، في حديث له عن خلفيات الهجوم على النقطة العسكرية المصرية في سيناء، حيث أشار إلى أن "أصل المشكلة المصرية أن نظاماً يحكم مصر تم ترتيبه في واشنطن منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد... يقوم بحماية الأمن القومي "الإسرائيلي" منذ توقيع هذه المعاهدة " (الخليج 8-8-2012).

القوات المصرية التي دخلت سيناء لتلاحق "الإرهابيين" وتدمر أوكارهم، رحبت بها تل أبيب في البداية، وأشادت ب "التنسيق غير المسبوق" الذي تم، وكذلك واشنطن. لكن قبل أيام، أشارت صحيفة (المصري اليوم- 22-8-2012) إلى أن "أزمة " تفجرت بين القاهرة وتل أبيب بسبب هذه القوات، وتلقت القاهرة رسالة من الحكومة "الإسرائيلية " "شديدة اللهجة " طلبت فيها إخراج الدبابات من سيناء فورا. وكانت صحيفة (معاريف- 21-8-2012) ذكرت أن الرسالة التي بعث بها بنيامين نتنياهو، من خلال البيت الأبيض الأمريكي، طالبت بسحب القوات والأسلحة الثقيلة فوراً، وأن تتوقف مصر عن إدخال قوات جديدة من دون تنسيق مسبق. في الأثناء قال عضو في المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، لم يشأ أن يذكر اسمه، لصحيفة (المصري اليوم)، إن مصر تلقت الرسالة بالفعل، وتم الرد عليها بأن مصر ملتزمة (حتى الآن) بمعاهدة السلام وتطبق بنودها حرفياً، وأن العملية (نسر) تجري بالتنسيق مع الجانب "الإسرائيلي". فلماذا المطالبة الآن بسحب القوات، خصوصاً أن العملية لمن تنته بعد، وسيناء لم "تتطهر" تماماً من "الإرهابيين"؟

صحيفة (هآرتس 16-8-2012) ذكرت أن بعض القوات المصرية التي دخلت سيناء في اليوم التالي للهجوم، دخلت بموافقة "إسرائيلية "، إلا أن قوات أخرى تم نشرها من دون موافقة كهذه، بل تم إبلاغ الجانب "الإسرائيلي " عن دخولها بعد أن وصلت فعلاً. كذلك ذكرت الإذاعة الإسرائيلية يوم 17-8-2012، عن مصادر "إسرائيلية" "رفيعة المستوى"، قولها إن إدخالها كان مخالفاً للملحق العسكري لمعاهدة كامب ديفيد. وأعلنت الخارجية الأمريكية (21-8-2012) دعمها للعملية المصرية في سيناء، إلا أنها شددت على ضرورة "تنسيق "القاهرة مع "إسرائيل"، و"احترام اتفاقية السلام" الموقعة عام 1979، كما جاء على لسان فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية.

أما صحيفة (معاريف 21-8-2012) فأوضحت أن الحكومة "الإسرائيلية" "قلقة" ولديها "مخاوف" من الإجراءات المصرية، وذكرت أن أحد المخاوف يتمثل في عجز السلطات المصرية عن ضبط الأمن في سيناء، وأن تكون العملية الجارية محدودة ومؤقتة. لكن الأهم كان خوفها من أن إقدام مصر على إدخال قوات من دون تنسيق مع الجهات العسكرية والأمنية "الإسرائيلية"، قد يرمي إلى تغيير "اتفاق السلام" بحكم الأمر الواقع، من خلال الإبقاء على القوات الموجودة، بل وإدخال قوات جديدة من دون تنسيق.

المنطق "الإسرائيلي"، كعادته، زائف ومتناقض، وذلك لأنه لا يأخذ في اعتباره سوى أمن "إسرائيل" ومواطنيها"، خصوصاً عندما نتذكر أن "إسرائيل" هي التي كانت دائما معتدية. إن عجز مصر عن ضبط الأمن في سيناء، كان بسبب ضعف وجودها العسكري فيها. وهذا يفترض أن يتعزز هذا الوجود حتى يصبح ضبط الأمن ممكناً.

وإذا كان ضبط الأمن في سيناء مصلحة مصرية - "إسرائيلية" مشتركة، كما يقول "الإسرائيليون"، فإن توفير ظروف تحقيقه يجب ألا يخيف "الإسرائيليين"، بل أن يطمئنهم. واعتبار ذلك خروجاً عن "اتفاق السلام "، أمر يؤكد عدم أخذ الأمن المصري في الاعتبار. من المفروض أن "اتفاق السلام" جاء لحماية أمن الدولتين الموقعتين عليه، وليس فقط لحماية أمن "إسرائيل"". إلى جانب ذلك، يسمح القانون الدولي ب "الخروج" عن أي اتفاق إذا تطلبت مصلحة طرف أو أكثر من الموقعين عليه تغيير بنوده، إما بالاتفاق أو بالتحكيم، ورفض ذلك من أي طرف يعني الرغبة في إنهاء الاتفاق.

الجانب "الإسرائيلي" يريد من "الأزمة" التي يفتعلها مع مصر أن يظل متحكماً ليس بسيناء، بل بمصر كلها، عن طريق التمسك ب "اتفاق للتنسيق الأمني" كما كان أيام مبارك، يحقق له أهدافه. ولكن تظل سيناء، في النهاية، أرضاً مصرية، وللدولة المصرية حق السيادة الكاملة عليها، ومن حقها اللجوء إلى كل السبل لفرض سيادتها عليها، وحماية أمنها الوطني، بل والقومي أيضاً. و"التنسيق الأمني" الذي تريده تل أبيب يلغي هذه السيادة، ويبقي الأمن الوطني المصري معرضاً للأخطار وتحت رحمة "الإسرائيليين"، وثغرة يدخل منها الخضوع للمآرب والأطماع "الإسرائيلية".

صحيفة الخليج الإماراتية

 

البث المباشر