مقال: المفارقة.. والقدس.. والمقاطعة

بين الضجيج الإعلاني والإعلامي العربي الإسلامي وبين الفعل الصهيوني هي المفارقة التي عليها القدس بما يُحيق بحال أبنائها وأحوالهم أولا، وبما يذهب أبعد من هدف الكيان الصهيوني في تهويد القدس بتقويض طبيعتها التاريخية والإنسانية والروحية الدينية وجعلها عاصمة لـ(إسرائيل)، لأن ما جرى ويجري يرتبط بتصفية القضية الفلسطينية.

آخر فصول هذه الوضعية التي تأخذ وجه المعركة الصهيونية المتواصلة من جهة وما يمكن وصفه في المقابل بالمهزلة من جهة ثانية هو قرار (إسرائيل) إقامة سباق للسيارات حول أسوار القدس، إذ تصر على تنفيذه، فيصدر "تحذير" من جامعة الدول العربية من محاولة (إسرائيل) إقامة هذا السباق الهادف إلى "الترويج لادعاءات (إسرائيل) أن القدس عاصمة لها".

وصف إعلان الجامعة بـ"المهزلة" ليس تجنيا لأن "الصراخ الاحتجاجي والتحذيري" لم يكن له أدنى تأثير في "الرالي الصهيوني" حول القدس، فقد أفرغت القدس من كامل المؤسسات الفلسطينية بما فيها تلك الناشطة من الفعاليات الاجتماعية والثقافية.

وشهدت القدس موجة تهجير متعاقبة لأبنائها اقتلعت أسرا مقدسية ارتبط وجودها بهذه المدينة، وهدمت مئات المنازل واختلقت الأعذار لهذه السياسة التصفوية العنصرية. وجرت عمليات تقويض المعالم وطمس الآثار التاريخية وعمليات استهداف الأقصى باستباحته والعدوان على زواره والعابدين ربهم فيه وتقويضه، ثم نهبت الأراضي من أصحابها.

وكانت المزاعم الأمنية من بين أبرز المبررات، كما جرى إقامة حزام المشروعات الاستيطانية، ومنعت على الفلسطينيين فعاليات أفراحهم وأتراحهم، وبات الشباب بالذات في استهداف بوليسي دائم، وصارت القدس بالنسبة إلى أبنائها أقرب إلى زنزانة تضيق كل يوم، فما ضرر "سلخ" الشاة بعد ذبحها؟.. هذا ما يطرحه تحذير الجامعة العربية من سباق السيارات بعد أن عبثت (إسرائيل) بكل ما هو مصيري للقدس ليس بهويتها فقط بل بوجودها أيضا.

ألم يحدث هذا تحت مرأى وسمع من العرب والمسلمين؟، ثم ماذا يعني أن تقابل كل جريمة صهيونية وخطوة في المخطط الصهيوني بتحذير كهذا؟.

الأمر الجدير بالتوقف أن إعلان جامعة الدول العربية جاء على لسان السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية لشؤون فلسطين خلال افتتاح الدورة السابعة والثمانين لضباط اتصال المكاتب الإقليمية لمقاطعة (إسرائيل) في استذكار من الجامعة لهذه المسألة.

 

المسؤول العربي بدلا من أن يقدم كشف حساب عن السياسة العربية في هذا الشأن اكتفى بالقول إن الشعوب والدول العربية تنفذ دورها في المقاطعة"، ولأن المقاطعة كانت إعلانية وهي توقفت بفعل الضغوط الأمريكية ما حمل الدول العربية إلى الكف عن ترديد هذا الأمر لأجل تشجيع وجذب (إسرائيل) على الانخراط في العملية السلمية، وهذا كان واحدا من الأوراق التي رمتها الدول العربية في السلة الأمريكية.

المفارقة أنه بعد الغياب الفعلي للمقاطعة حتى السكوت الإعلاني الإعلامي عنها في سنوات التسوية الأمريكية التي قلبت الحقائق تبدل وقف العدوان وإنهاء الاحتلال وإزالة الاستيطان الصهيوني بالتسليم الفلسطيني والاستسلام العربي للمطالب والشروط (الإسرائيلية).

ليس مستغربا في ظل ما وصلت إليه الأزمة من تداعيات مفتوحة على كل شيء عدا الحل العادل والسلام الدائم الذي ترفضه (إسرائيل) وهي لا تواجه بردع لحملها على الانصياع للشرعية الدولية بل الأكثر من ذلك تجد الحماية والدعم من الولايات المتحدة التي تتعامل مع أزمة المنطقة في سياق مشاريعها الاستراتيجية ومصالحها الحيوية و(إسرائيل) ركيزتها الأساسية في هذه المنطقة.

ولم يكن مستغربا أن يلجأ المسؤول في جامعة الدول العربية إلى الهروب من الضياع العربي في مواجهة القضايا وفي الأبرز القضية الفلسطينية إلى شكر جنوب إفريقيا حكومة وشعبا على الدور البنّاء الذي تقوم به في مقاطعة (إسرائيل) و"منتجات المستوطنات"، وأن يشير إلى أن "معظم جامعات العالم في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تقاطع (إسرائيل)"، كما لفت إلى وجود مقاطعة في بريطانيا للمياه المعدنية المنتجة من شركات (إسرائيلية)، ذاكرا بالأرقام أن 350 عالما من دول غربية عديدة منها الولايات المتحدة طلبوا من مسؤولة البحث العلمي في الاتحاد الأوروبي مقاطعة الشركات (الإسرائيلية) العاملة في المستوطنات القائمة في الأراضي الفلسطينية.

السؤال الآن: ما المطالب التي قدمتها دورة ضباط اتصال المكاتب الإقليمية لمقاطعة (إسرائيل) للجامعة والدول العربية؟ وهل بقي من معنى لوجود مثل هذه "الهيئات" الوهمية؟.

لم تكن المقاطعة العربية لـ(إسرائيل) سياسة رسمية للدول العربية فقط بل مشاركة شعبية عربية نصرة للقضية الفلسطينية، فمن المسؤول عن إفراغ هذه العملية التي جرت في سياق تطويع الموقف العربي لواقع الاحتلال الذي يمضي بوتائر متسارعة على حساب الشعب الفلسطيني في حقوقه وتاريخه ووجوده؟.

صحيفة الخليج الإماراتية

البث المباشر