تباينت وجهات نظر محللين للشأن (الإسرائيلي) حول إمكانية اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة ضد الاحتلال (الإسرائيلي) في الضفة الغربية المحتلة نتيجة لارتفاع الأسعار، والوضع الاقتصادي الصعب الذي آلت إليه الضفة في الفترة الأخيرة.
وفي أحاديث منفصلة مع "الرسالة نت" استبعد بعضهم حدوث انتفاضة شعبية فلسطينية ضد الاحتلال في الوقت الحالي في حين اعتبر آخرون أنه من المحتمل وقوع انتفاضة ثالثة في ظل استمرار الاستيطان والتهويد والاعتقالات في الضفة.
واستبعد الدكتور عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية بنابلس حدوث انتفاضة ثالثة ضد الاحتلال، معلّلا ذلك بأن ما يحدث في الضفة احتجاجات نخبوية غالبية المتظاهرين فيها من حركة فتح، "ولم ترتق إلى أن تكون جماهيرية".
"قاسم: التنبؤ بانتفاضة كبيرة بحاجة إلى مشاركة جماهيرية عالية المستوى
"
ويقول قاسم لـ"الرسالة نت" إن التنبؤ بانتفاضة كبيرة بحاجة إلى مشاركة جماهيرية على مستوى الشعب الفلسطيني بأكمله وهذا الشيء حتى الآن غير موجود بين أبناء الشعب.
وشهدت مختلف مدن الضفة المحتلة منذ منتصف الأسبوع الماضي موجات من الاحتجاجات والمظاهرات اعتراضا على غلاء الأسعار التي فرضتها حكومة رام الله برئاسة سلام فياض.
لن تحدث انتفاضة
ويشير قاسم إلى أن الاحتجاجات الحالية لا تكفي للوصول إلى استنتاج أن انتفاضة شعبية عارمة ستحصل ضد الاحتلال في الوقت الراهن بالتحديد.
ويقول: "أتمنى أن تحصل الانتفاضة لأسباب وطنية ضد الفساد والاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال أو من أجل دعم المقاومة، ولكن للأسف طغت العقلية الاستهلاكية على القيم الوطنية"، متابعا: "القيم الاستهلاكية في ظل الاحتلال غير كفيلة بعمل انتفاضة تقود إلى التحرر لأن قيم الاستهلاك تتناقض مع القيم الوطنية التي تتطلب التضحية والتقشف وهذا غير متوقع في الوقت الحالي".
"جعارة: مظاهرات تتعلق بالأسعار من الصعب أن يكون هدفها انتفاضة
"
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية أن الحل يكمن في التخلي عن الاتفاقات الاقتصادية والسياسية مع (إسرائيل)، وتطوير اقتصاد اسمه اقتصاد "المقاومة" أو اقتصاد "الصمود"، مبينا أن هذا الشيء يقع على كاهل السلطة في الضفة، "لكنها للأسف لا تستطيع فعله".
ويتفق مع قاسم الدكتور عمر جعارة المحلل للشأن (الإسرائيلي) الذي يعتقد أن موجة الاحتجاجات لن تتحول إلى انتفاضة شعبية ضد الاحتلال في الضفة، مبيّنا أن الانتفاضات لها أهداف سياسية، "وهذا ما لا ينطبق مع ما حدث في الضفة".
ويوضح جعارة أن مظاهرات تتعلق بالأسعار من الصعب أن يكون هدفها حدوث انتفاضة، قائلا: "لا أعتقد أن ما حدث من غلاء الأسعار سيقود إلى انتفاضة ضد الاحتلال، لأن الاحتلال غير موجود في الشوارع كما كان في شوارع نابلس وجوامع الخليل قبل عام 1993، ولو كان موجودا لاختلف الوضع، واختلف رد الفعل الفلسطيني".
(إسرائيل) تؤثر
ويشير إلى أن تغير الوضع الاقتصادي في (إسرائيل) أثر كثيرا على اقتصاد الضفة، "لأن كل ما يتعلق بالتفاعل الاقتصادي الفلسطيني له علاقة ماسة بما يحدث في (إسرائيل)"، لافتا إلى أن غلاء الأسعار في (إسرائيل) ثلاثة أضعاف ما هو موجود بالضفة.
وعزا جعارة تدني الوضع الاقتصادي في الضفة إلى عدم وجود إنتاجية فلسطينية خاصة، مبيّنا أنه لا يوجد في الضفة مصانع أو استثمار زراعي أو معاملات تجارية، مؤكدا أن الاحتلال هو السبب الأساسي لما يدور في الضفة من استمرار الاستيطان والتضييق على الاقتصاد الفلسطيني.
وحول إمكانية إيجاد حل للمشكلة القائمة في الضفة قال: "لا يوجد في التاريخ كله مشكلة ليس لها حل، ولكن المسؤولين والمعنيين ملزمون بإيجاد حل لما تعانيه الضفة".
ومما يزيد معاناة أهالي الضفة تأخر رواتب الموظفين الأمر الذي دفع كثيرا منهم إلى الاستدانة والوقوف عاجزين أمام ارتفاع الأسعار.
وأثار قرار فياض برفع الأسعار قبل أيام حالة من السخط في صفوف السكان.
الظروف مهيأة لانتفاضة
ويختلف الكاتب والمحلل السياسي الدكتور أحمد عوض عن سابقيْه، فيعتبر أن الظروف جاهزة ومهيأة لحدوث انتفاضة، مرجعا السبب في ذلك إلى الاحباط الشديد الذي يشعر به الفلسطينيون، "لأنهم لم يحصلوا على دولة مستقلة ولم تحسن الظروف الاقتصادية لذلك كل شيء مهيأ ليتغير نوع الاحتجاجات ويحول مسارها ضد الاحتلال".
ويقول عوض: "الاحتجاجات وإن كانت لأسباب اقتصادية فإن تحتها كثيرا من المطالب والاحتياجات التي يقف الاحتلال عائقا في وجهها".
"عوض: الظروف جاهزة ومهيأة لحدوث انتفاضة ضد الاحتلال
"
ويرى أن الظروف مهيأة جدا لانتفاضة، "الأسباب: مصادرة الأراضي والاعتقالات من قوات الاحتلال مستمرة بالإضافة إلى الفقر والجوع والذل الذي يعانيه السكان"، متابعا: "الانتفاضة بحاجة إلى أسباب وشرارة وقائد".
وتوقع عوض عدم اكتراث الاحتلال (الإسرائيلي) لما يجري في الضفة من مظاهرات سواء ضد السلطة أو حتى ضده، لافتا إلى أن الاحتلال لا يخاف من حدوث انتفاضة ضده، "ولن يغير من سياسته الظالمة ضد الفلسطينيين ولن يخفض الأسعار والضرائب".
وبين المحلل السياسي أن السيناريوهات (الإسرائيلية) متعددة لاستدراج الفلسطينيين إلى انتفاضة لخلط الأوراق على المصالحة الفلسطينية، "والتراجع عن طلب عضوية الدولة، وإضعاف السلطة وتهميشها، وتغيير قواعد اللعبة في المنطقة وعرقلة أي جهود منسقة لإيجاد حلول جذرية لوجود الاحتلال".
أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية عثمان عثمان أكد بدوره أن سبب موجة الاحتجاجات يعود لأزمات اقتصادية متراكمة، متابعا: "قد تكون مبطنة لأسباب سياسية ضد ممارسة حكومة فياض من ضرائب متعددة ملقاة على كاهل المواطن الفلسطيني الذي ما يزال يتذوق معاناة تواصل الانقسام والتنسيق الأمني مع الاحتلال".
وتوقع عثمان أن تتواصل موجة الغضب الجماهيري في رام الله للشهر القادم نتيجة لتفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها السلطة, مشيرا في الوقت نفسه إلى ما يحدث يمثل نقمة على سياسة السلطة وعجزها وتنسيقها الأمني المتواصل مع (إسرائيل).