قالت دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي إنه خلال الحرب على غزة أواخر 2008 أوائل 2009 تمكن الجيش الإسرائيلي من إلحاق "هزيمة كبيرة" بحركة حماس وقتل المئات إلا أن ذلك لا يُمكن اعتباره انتصارًا.
وأوضحت الدراسة، حسبما ورد في صحيفة "القدس العربي"، أن هذا جاء لأن الحرب أثبتت للمنظومة العسكرية والأمنية الإسرائيلية أن كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، تحولت من "مجرد خلايا إرهابية إلى قوة عسكرية منظمة تتقن إدارة حرب العصابات".
وقالت: إن "الحرب أكدت للإسرائيليين أن حماس عملت الكثير واستثمرت الأكثر في التفكير ببناء قوة عسكرية، وبذلت جهودًا جبارة في تحويل جناحها العسكري إلى ما يُشبه الجيش النظامي من ناحية التركيبة والعتاد العسكري".
ونصحت صناع القرار الإسرائيليين بعدم الشك أو التقليل من قدرة الحركة على استيعاب الدرس واستنتاج الملاحظات والعبر والدروس، وأنْ تعمل بشكل مكثف على زيادة ترسانتها العسكرية من ناحية، وتنظيم جيشها من الناحية الأخرى.
ولفتت إلى أنه بدلاً من التبجح بأن قوة الردع الإسرائيلية ازدادت بعد عدوان "الرصاص المصبوب"، فإنه يتحتم على الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية أنْ يفهموا أن الجيش انتصر في المعركة ولكنه ما زال بعيدًا جدًا عن الانتصار في الحرب ضد حماس.
أما الباحث في المركز، الجنرال (احتياط) غابي سيبوني- رئيس قسم التخطيط في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) سابقًا- قال إن العدوان كان عملاً نشط خلاله الجيش في واحدة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية، إزاء "عدو يعمل من داخل مناطق آهلة مدنية غير مشاركة، مع إطلاق نار على مناطق مدنية في إسرائيل".
وأضاف سيبوني "نشهد في السنوات الأخيرة زيادة منظمات مثل حزب الله وحماس لقوتها من حيث القدرات النارية المائلة المسار بالكمية والمدى والقدرة على الدمار وقدرات الدقة أيضًا"، مشيراً إلى أن تطورات هذا التهديد توجب على الجيش الإسرائيلي أنْ يطور ردًا مناسبًا لحالة تنشب فيها جولة مواجهة عنيفة، على حد تعبيره.
وتابع "هناك إدراك بأن الوضع الاستراتيجي لا يُمكّن الجيش الإسرائيلي من إحراز تغيير عميق يُبطل التهديد كليًا ومع عدم حل سياسي للصراع، يجب أن يقدم الرد العسكري "عنصرين أساسيين: العنصر الأول هو بناء الردع من جديد، أما العنصر الثاني، فيكمن في مضاءلة مدة القتال ومقدار الضرر الذي سيصيب إسرائيل أثناء القتال".
وقال: "أظهرت تجربة حرب لبنان الثانية أن الجيش الإسرائيلي يعمل بطريقة ذات ثلاث مراحل، في المرحلة الأولى الهجوم على أهداف تعد تهديدًا حقيقيًا رغم وجود السكان". وفي المرحلة الثانية يُطلب إلى السكان في منطقة القتال بالإخلاء لحماية أنفسهم.
وفي المرحلة الثالثة فقط يتم هجوم واسع داخل المنطقة، حيث أن ذلك من شأنه - حسب رأيه- تقليل عدد الجرحى من المدنيين غير المشاركين في القتال قدر المستطاع، مؤكداً في الوقت نفسه أن إجلاءً سريعًا وناجعًا للسكان عن منطقة القتال يعد تحديًا كبيرًا.
وخلال الحرب التي امتدت على مدار 22 يومًا بذريعة وقف إطلاق الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة توقعت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أنها تمكنت من تعزيز قوة الردع لديها في القطاع.
إلا أنه بعد فترة وجيزة عادت الفصائل الفلسطينية إلى تعزيز وجودها وقوتها العسكرية، حسب المصادر العسكرية الإسرائيلية، وخاصة مع حصول الفصائل على صواريخ ومعدات عسكرية أكثر تطورًا، وهو ما كان بمثابة جرس إنذار إسرائيلي حول جدوى الحرب الأخيرة.
وأثارت عمليات إطلاق الصواريخ بعد الحرب تفكيرًا إسرائيليًا بتعزيز ما يسمى بالقبة الحديدية للتصدي لما يطلق من القطاع، في مقابل العمل على تنفيذ عمليات موضعية واستغلال أكبر للطيران الحربي بتنفيذ اغتيالات واستهداف مواقع ومجموعات من النشطاء.
ويأتي هذا التقرير لعرض وجهة نظر تشير بوضوح إلى ما يرى خبراء إسرائيليون أنه لا يمكن تعزيز قوة الردع من خلال الحرب والعمل العسكري الموسع بطريقته التقليدية والأكثر دموية، وهو ما يؤسس لتفكير مغاير لمواجهة المقاومة الفلسطينية.
ومؤخرا أعلن وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي أيهود باراك أن جيشه قادر على احتلال أي منطقة في قطاع غزة، في حين هدد رئيس الأركان بشن عملية عسكرية داخل القطاع لوقف إطلاق الصواريخ التي تصاعدت مؤخرًا.