قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: سيناء.. الخيارات الصعبة

تمثل سيناء اليوم بؤرة قلق وإزعاج استراتيجية ليس لمصر وحدها بل لــ (إسرائيل) أيضا.

مع العملية العسكرية الأخيرة التي استهدفت جنودا (إسرائيليين) على الحدود (الإسرائيلية) – المصرية، وأسفرت عن مقتل جندي وإصابة آخرين، أدركت (إسرائيل) أن الجدّ ليس كالهذر، وأن إمكانية السيطرة على سيناء وفُرص ضبط الوضع الأمني فيها تبدو ضعيفة للغاية في ظل التعقيدات الجيوسياسية التي تلفّ المنطقة المترامية الأطراف.

خيارات مصر للتعامل مع معضلة سيناء التي تنتشر فيها عناصر السلفية الجهادية تبدو أوسع بكثير من خيارات (إسرائيل) التي تقف عاجزة في مواجهة عمليات عابرة للحدود، وكل ما تستطيع فعله مزيدا من التحسب والانتظار بين يدي العملية القادمة.

خيارات مصر صعبة نسبيا من دون شك، لكن خيارات (إسرائيل) تبدو أكثر صعوبة، لأن الهدف الأساس لغالبية الجماعات الجهادية المتمركزة في سيناء ليس الانقلاب على الدولة المصرية المركزية، وإنما اتخاذ سيناء قاعدة انطلاق في مواجهة الدولة العبرية.

وبالرغم من صعوبة الموقف الميداني في سيناء نتيجة تراكمات الإهمال الرسمي للمنطقة طيلة عقود حكم نظام المخلوع مبارك فإن مصر تملك هامشا جيدا من مناورات الحل، وتستطيع إدارة الأزمة بما لا ينعكس سلبا على الوضع المصري الداخلي، فيما لا تملك (إسرائيل) سوى إطلاق سيول التهديد والوعيد باجتياح المنطقة، وعينها الخائنة على تطوير مستويات التعاون الأمني مع المصريين.

يدرك الرئيس مرسي أن سلوك سبل علاج معضلة سيناء ينتقل به إلى آفاق عمل سياسية وفكرية واقتصادية وتنموية ينبغي أن تسبق الحل الأمني العسكري أو ترافقه على أقل تقدير، وهو ما يجعل أشكال المعالجات المصرية لمعضلة سيناء مُزاوجة للبعدين: التكتيكي والاستراتيجي على المدى القريب والمتوسط والبعيد على السواء.

من الأهمية بمكان تبريد جبهة سيناء مصريا، والعمل على نزع فتيل الاحتقان المتفاعل في المنطقة مرحليا عبر حوار هادف مع قادة الجماعات الجهادية هناك، بموازاة الجهد المثابر بين يدي الحلول الأخرى، فهناك الكثير ممن يراهنون على سقوط مرسي ومشروعه في وحل سيناء ورمالها المتحركة، وابتعاده عن معالجة الهموم والقضايا المصرية الساخنة الأكثر أهمية، وهو ما فطن له مرسي الذي يتحرك بحذر وذكاء على مختلف الجبهات.

بإمكان مصر أن تنجح في مواجهة اختبار سيناء، وأن تتجاوز المعضلة عبر انتهاج سياسة البناء والنفس الطويل، لكن(إسرائيل) ستظل تواجه معضلة سيناء كابوسا يلاحقها صباح مساء.

آخر تقليعة (إسرائيلية) لابتزاز الموقف المصري تمثلت في التهديد بدخول سيناء وملاحقة المسلحين فيها والتعامل معها بمنطق الاستباحة كما تتعامل (إسرائيل) مع غزة، وهي لا شك تقليعة مقززة أو لربما نكتة سمجة ممجوجة بلا لون أو طعم أو رائحة، وخصوصا في ظل القيادة المصرية الجديدة التي تدرك (إسرائيل) مدى انحيازها للبعدين: الوطني والقومي، وانعدام أي إمكانية لإخضاعها لمنطق الابتزاز والتخويف أسوة بالنظام البائد.

وفي كل الأحوال فإن خيارات(إسرائيل) إزاء سيناء تنحصر في خيار وحيد يلوذ بحبل التنسيق والتعاون الأمني الراهن مع المصريين، مع محاولة تطوير أشكاله الحالية وتجنيد الأمريكيين لهذا الغرض.

أما ما سوى ذلك من خيارات فهي خيارات لن تقوى (إسرائيل) على مجرد الاقتراب منها، لأنها تعبر عن حماقة وغباء، وتفضي إلى تداعيات قاسية بكل المقاييس.

 

 

البث المباشر