قائد الطوفان قائد الطوفان

شمعة اختطفت حياة الطفل فتحي وشوهت شقيقته

المحافظة الوسطى-محمد بلّور-الرسالة نت

وجدوه قرب باب الحجرة المحترقة ممداً وقد أكلت النيران وجهه وأطرافه الصغيرة بعد أن حاول مراراً الهروب طلباً للحياة .

حمله أحدهم وهو مشتعل وقد انصهر قميصه على لحمه الطري ولسانه يقطر دماً خارج فمه وما هي إلا لحظات حتى بردت أوصاله وأسلم الروح.

وكان سكان قطاع غزة قد فزعوا ليلة أمس على نبأ مقتل الطفل فتحي عبد الفتاح البغدادي -3 سنوات- محترقاً وإصابة شقيقته "تالا" -8 شهور- بحروق خطرة .

وأدى سقوط شمعة على أثاث حجرة المواطن عبد الفتاح البغدادي -كانت زوجته تستعين بها لإنارة البيت- إلى اندلاع النيران والتهام الحجرة بما فيها من أطفال وأثاث .

وقضى عشرات الضحايا معظمهم من الأطفال في حوادث مشابهة خلال محاولة سكان غزة استخدام وسائل بديلة للطاقة بسبب أزمة الكهرباء والوقود المتواصلة منذ بدء الحصار سنة 2006 .

الأسرة الصغيرة

محاولات التخفيف من جراح الشاب عبد الفتاح البغدادي تشبه لحد بعيد الرسم على الماء فما هي إلا لحظات ويعود مرةً أخرى ليبتلع النصل .

منذ ساعات يدور عبد الفتاح وزوجته في فلك خارج عن نطاق سكان الأرض من حولهم فجراحهم طازجة وآلامهم ساخنة بما يكفي .

بعد أن نال الفقر من حياة الأب ما نال وعانى اليتم وتألم من مرض السكري جاء الدور لآلام الفراق حرقاً مع مهجة قلبه .

بدأت القصة بمحاولة الأم إنارة الحجرة بعد انقطاع الكهرباء فثبتت شمعة فوق جهاز التلفاز ونزلت للطابق الأرضي لتحضير العشاء لزوجها.

ذابت الشمعة فوق جهاز التلفاز فاندلعت النيران في هيكله البلاستيكي وامتدت للسرير الذي يرقد فوقه "فتحي3 سنوات" و"تالا 8 شهور" .

تنبّه الأب الذي يجلس على فوهة الشارع وهو يبيع القهوة والشاي لارتباك الجيران ومناداتهم بعد مشاهدة الدخان يتصاعد من منزله .

وقال الأب إنه رأى الجيران يعدون تجاه بيته فهرع للداخل فوجد النيران تدفع بألسنتها خارج الحجرة .

وحمّل الأب مسئولية ما حدث لقادة الحكومتين في غزة ورام الله، مؤكداً أن مشكلة الكهرباء هي التي أدت لاحتراق أطفاله .

على السرير المحترق كانت تصرخ "تالا 8 شهور" وقد التهمت النيران معظم جسدها فتعاظمت آلامها.

وقال الشاب أمير حسين أحد الجيران الذين حاولوا إنقاذ الأطفال إنه رأى الدخان يتصاعد للنوافذ.

وأضاف:"كانت الشقة مغلقة والنار تتصاعد من باب الحجرة فلم نتمكن من الدخول وكسرنا النوافذ لكننا لم نتمكن من انتشالهم فحضر أبوهم وحمل الطفلة وكانت مشتعلة وحملت أنا الطفل" .

حاول الجيران الاستعانة بمصابيح إنارة لكن كثافة الدخان الأسود لم تمكنهم من الرؤية لأكثر من متر أمامهم .

يعود أمير بذاكرته للوراء متألماً حين يتابع:"عندما حملت الطفل كان مشتعلاً وقميصه ملتصقا به ووجهه محروق ولسانه للخارج يقطر دماً وكان فمه يخرج دم ثم فجأة تيبس جسده ومات على يدي" .

ولا يجد أمير وصفاً لمشاعره خاصة عندما يستحضر مشهد الطفل والطفلة المحترقين وقد أتت النيران على أجسادهم الصغيرة .

المنزل المنكوب

في الشقة المحترقة من الطابق العلوي تفحّم كل شيء واختطفت النيران حلاوة الحياة بوفاة الطفل فتحي وإصابة تالا بجراح خطرة .

على فوهة الحجرة المنكوبة ترقد طاولة تحمل جهاز تلفاز متفحم كان شارة البدء عندما اتصل بلهب الشمعة فامتدت النيران لكافة البيت.

زجاج النوافذ محطم على كافة رقعة البيت الذي لا تتجاوز مساحته 60 متر مربع بينما تشقق السقف واختلطت أغطية الأطفال ثلثي المحترقة فوق سرير الحجرة .

وقال محمد البغدادي -عم الأطفال- إنه لحق بالجيران حين أخبروه باشتعال البيت فوجد الطفل فتحي مشوّها وشقيقته تالا مصابة بحروق بالغة في ساقيها .

وأضاف:"رحل فتحي الذي كانت تضحك معه كل الدنيا فقد كان مخفف عنا وشايل همنا وكل هذا بسبب مشكلة الكهرباء !! " .

في الرواق الخارجي تبعثرت بقايا ألعاب وعربة أطفال كان فتحي وتالا يحومون بها في فناء البيت.

وانشغل اثنين من أقارب الضحايا بتفقد ما تبقى من أثاث الحجرة في حين قلب أحدهم على زاوية صوراً للأطفال "تالا وفتحي" حديثة العهد .

أما الأب فقد أصيب بجراح في راحته وقد بدا مندهشاً لما جرى معه عاجزاً في وصف مشاعره بعد رحيل طفله فتحي .

 وتعلو جلبة من الطابق السفلي ناجمة عن أحاديث متشابكة من عشرات النساء اللواتي جئن لتأدية واجب العزاء بينما فاحت رائحة النيران والأثاث المتفحّم في كافة أرجاء البيت .

وفي منزل مجاور وضع احدهم جثة الطفل فتحي 3 سنوات على أحد المقاعد ملفوفاً بكفنه الأبيض .

وبدت آثار الحروق واضحة على وجهه الصغير في حين تألم بعض الحاضرين وعجزوا عن مشاهدته.

وشيع آلاف المواطنين جثمان الطفل فتحي البغدادي بعد أداء صلاة الظهر في موكب مهيب يتناسب مع حجم الألم والفاجعة .

ولا احد يدري هل سيكتب للطفلة الجريحة "تالا 8 شهور" أن تعيش بجسد مشوّه أما أنها ستلحق بشقيقها فتحي الذي غادر البيت ولن يعود !

 

البث المباشر