باسم عبدالله ابو عطايا
لم تستطع كل مناديل العالم أن تمسح دموع أطفال غزة ونساؤها إبان الهجوم الاسرائيلى قبل ستة شهور ، رائحة الموت في كل مكان ، دماء ترسم حدود الوطن ، وتعزف سيمفونية الصمود ، على ما تبقى من جدران دمرتها آلة القتل والموت ، في غزة كان كل شئ مستباحا جوا وبرا وبحرا .
وهناك كانت تعزف أنشودة الانتصار ، فالقوات تتقدم نحو غزة، مقاومة شرسة لكن الدبابات تصل إلى مشارف المدينة .
لا عودة الا بشاليط, لا وقف لإطلاق النار إلا بعد رفع الراية البيضاء فى غزة ، بنك الأهداف لا زال ممتلئ, المرحلة الأولى انتهت ، والثانية ، والثالثة وأما البقية تأتى .
لا رواية للإعلام إلا رواية المتحدث العسكري، لا بيانات تخرج إلا بعد المرور على مقص الرقيب ومن يخرج عن النص يتعرض للمساءلة بل أكثر من ذلك , لا حديث سوى حديث النصر .
هكذا أدارت دولة الاحتلال المعركة على غزة ، بحثا عن نصر يرفع المعنويات للجيش ، وأنهت المعركة بنصر مؤزر لا حديث فيه عن خسائر ولا عن فشل وغير مسموح الحديث عن غير ذلك .
وبعد ستة أشهر تتغير الصورة ويخفت بريق النصر الزائف ، وتفضح الحقيقة زيف الإعلام الاسرائيلى والحرب النفسية التي ادارتها الماكنة الإعلامية الصهيونية .
فالجيش لم ينتصر ، والإصابات تملأ جنبات المشافى ، والخوف والرعب يملأ القلوب ، والعاهات الدائمة تبقى شاهدة على أن الحرب التي انتهت على غزة ما زالت تدور رحاها في اسرائيل
** جيش فاشل
اعترافات كثيرة تلك التي ساقها قادة وجنود الاحتلال الذين قاتلوا في غزة ، حديث الخوف والرعب والفشل لم تستطع أن تخفيه ابتساماتهم ولا الأنوار الساطعة لكاميرات التلفزة .
قائد لواء جولاني قال : "شعرت بالفشل عندما انتهت الحرب على غزة دون عودة شاليط"
العقيد أفي بيليد قال أنه يشعر بالفشل وخيبة الأمل بعدما انتهت الحرب على غزة دون إطلاق سراح الجندي الأسير شاليط, بيليد الذى قاد وحدات جولاني في عملية الرصاص المصبوب وأصيب بجراح متوسطة , وأضاف : "لقد خضنا عملية الرصاص المصبوب، ونحن كلنا أمل أن يعود شاليط إلى بيته, وكنا ننتظر بفارغ الصبر أن تأتي معلومات استخبارية، تدل على وجوده في مكان ما, كي نسارع لإنقاذه وإعادته، لقد كنت في غاية السعادة لو كلفت باحضاره من أي مكان في غزة".
لكن بيلد اعترف ان المهمة لم تكن فقط فى غزة من اجل انقاذ شاليط لكن كان عليه ان يعمل كل ما بوسعه من اجل ان لا يذهب احدا من افراد لوائه عند شاليط .
فقد اشار بيلد فى حديث لصحيفة يدعوت الى " ان حماس واصلت خلال المعارك التي جرت بغزة في الحرب الأخيرة محاولات اختطاف جنود, حيث كانت تضع هذا الهدف في رأس أولوياتها وقد جرت محاولات فعلية في هذا الاتجاه, واضاف "عدنا إلى غزة فوجدنا فيها اختلافا كثيرا, عثرنا على 51 نفق، خلال الحرب، وقد كانت البيوت مفخخة، وكان هناك محاولات خطف كثيرة".
بيلد اصيب فى الهجوم على غزة اصابات بالغة لكنه استطاع الاتصال بوالدته عن طريق شقيقه، الذي يخدم أيضا في لواء جولاني, وقد أصيب إلى جانب 13 إصابة خطيرة من جنود الوحدة التي كانت معه، كما قتل ثلاثة من الجنود على الفور.
** معركة مع العاهات
قد تكون غزة تعيش مأساة الحرب ودماؤها تنزف ، ولا تجد من يضمد تلك الجراح النازفة من جسد ارهقه الحصار والقتل ومن جدران ما زالت تنتظر الوقف من جديد وجرحى رغم الالم لا زالوا يحلمون بالعودة الى خنادقهم .
لكن على الجانب الاخر الصورة مختلفة والحقائق تسير بصمت وسريه فعار الهزيمة لا يمكن الحديث عنه علانية وخاصة اذا كان الذى يعانيه هم من عزفوا سمفونية النصر الكاذب .
صحيفة معاريف العبرية وصفت ما يقوم به الأطباء في معالجة الجرحى بالمعركة, التي لا تقل صعوبة عن الحرب الميدانية، حيث الحرب من أجل الحياة السليمة والجيدة. وأوضحت أن أي شخص يُتاح له فرصة زيارة تلك المستشفيات التي يرقد فيها الجنود الجرحى، سيخرج حتما مقبوض القلب ومصدوماً بما سيراه. وقالت: "إن ما يمر على الجنود خلال فترة العلاج وقت صعب جدا، لأنه يفرض واقعا أشد من الحرب نفسها".
أحد الجنود الذي أُصيب بقذيفة دبابة بالخطأ –كما يزعمون- وفقد يده اليمنى وشُلّت يده اليسرى بسبب إصابته في رأسه، لم يُبد ندمه أو أسفه على ما حدث.
ويضيف أحد الجنود الذين شاركوا في الحرب على غزة "قبل دخولنا إلى غزة، سألنا الضابط هل هناك من لا يريد الدخول إلى غزة؟، وأنا من جهتي كنت مصمما على الدخول بدون أي تفكير لأنها حرب عادلة".
** صواريخ عبثية
حتى اثناء الحرب لم يخجل دعاة الهزيمة والاستسلام من الحديث عن عبثية المقاومة ، ولم يخفوا امنياتهم بسقوق غزة ، ولم يتوقفوا عن وصف صواريخ المقاومة بالعبثية والمفرقعات ، وبرغم من بدائية هذه الصورايخ الا انها ارعبت الجيش المهزوم والشعب المسكون بالخوف ، فأكثر من (500) إصابة بالهلع في صفوف الإسرائيليين أضيفوا إلى عدد الجرحى والقتلى، نتيجة العملية العسكرية على غزة.
هذه ما ذكرته هآرتس, واضافت أن هذا العدد هو ما اتضح من الذين عاشوا الحدث بعينه والتهديد المستمر في حياتهم اليومية، وحسب قول إحدى سكان سديروت والتي تبلغ من العمر 39 عاما: "إنني في بداية الأمر لم أعط شيئا من الأهمية للحدث، ولكن شيئا فشيئا ومع كل صافرة إنذار تخرج من وجود صواريخ في طريقها إلى البلاد كان الجسد يرتعد وظاهرة الخوف بدأت تدب في حياتي، وتحولت الحياة إلى جحيم مليئة بالخوف وعدم الاستقرار ... إنني اشعر وكأنني نصف إنسانة ".
وبحسب أحد الأطباء الذين يعملون في هذا المجال في مستشفى سوروكا " فان هناك نسبة 28.4% من سكان غلاف غزة هم أصحاب عاهات ومشاكل نفسية جدية، ومن المحتمل أن يمتثلوا للشفاء عدا 50% ، فإنهم سيكونون تحت رعاية طبية دائمة ".
وتبين من البحث الذي أجرته "أورنتشك" مديرة الخدمات النفسية فى سديروت أن الوضع أكثر صعوبة من غيره في المستوطنات والمناطق الأخرى التي تعرضت للصواريخ، لافتا إلى أن 40% من الأمهات يعانين من مشاكل الصدمة النفسية، بينما يعاني 45% من الأطفال في سديروت أيضا من مشكلة الصدمة النفسية.
وتصل نسبة من يعانون من الصدمة النفسية في وسط الآباء إلى 33%، وقد أُجري البحث على مئات من الأطفال وأولياء أمورهم، إلا أنه ومقارنة مع معاناة أطفال حيفا وكريات شمونة، وُجِد أن نسبة الذين عانوا خلال حرب لبنان، من المشاكل النفسية تصل إلى 18%.
ولفتت إلى أن سكان سديروت وبالرغم من أنهم يمرون بهذا الوضع منذ سنوات عديدة، إلا أنهم لم يتأقلموا معه، منوهة إلى أنه ومع تراكم الصدمات النفسية على مر الزمن تزداد المعاناة النفسية وتتضاعف الصدمات.
وأفاد بحث د."أورنتشك" أن نسبة الأطفال الذين يعانون من صدمة نفسية تماثل نسبة الأمهات اللواتي يعانين من ذات الأمر، وقالت: "علينا أن نجد الحلول المناسبة لأولياء أمور الأطفال حتى يشعر الطفل بالطمأنينة والأمان، ولذلك قمنا بفتح مركز يقدم خدمات وعلاج نفسي لأولياء الأطفال اسمه مركز محيط للآباء".
هذا غيض من فيض فالذين يؤمنون بحتمية الهزيمة هم مهزومون فى انفسهم والذين يرون ان النصر مع الصبر فان المعركة التي تنتهى وما زلت ممتشقا لسلاحك فانت فيها حتما المنتصر .