قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: متى يتحول التعليم إلى متعة؟!

إن أردت أن ترتقي الأمة وتشق طريقها ضمن ركب الحضارة الإنسانية فعليك بالارتقاء بالتعليم أولا.

نقطة البدء في مشروع نهضة أي شعب تبدأ من التعليم، فإذا تم احتضان المسيرة التعليمية على أرضية متينة تضمن الرؤية الواسعة والعمق المطلوب، ومنحها الأولوية الوطنية ودواعي الاهتمام الكامل، فإن نتائج النهضة وموجبات التقدم تصبح تحصيل حاصل، وساعة الانتصار الكبير لن تكون بعيدة.

في تركيا مثلا، وغيرها من الدول، أدركوا أن التعليم يشكل الخطوة الأولى على طريق النهوض الحضاري، وأن بذرة الانطلاق إلى فضاء التقدم لن تنمو وتترعرع وتُنبت غراسها الباسق إلا في تربة التعليم الخصبة، فتعهدوا أجيالهم بالرعاية التعليمية الكاملة، وأحاطوا أساليبهم التربوية بألوان من التطور النافي لكل أشكال التقليد، حتى بلغوا ما بلغوا، رقيا وتقدما وإبداعا.

في مدارسنا اليوم إغراق في وسائل وآليات التعليم التقليدية التي لا تحسن التعامل مع أذهان وعقليات الطلبة، وخصوصا في المراحل الابتدائية، وتحجر على المتميزين والموهوبين فرصة تنمية تميزهم ومواهبهم، وتجعلهم أسرى لقوالب جامدة لا تعرف طريقا ممهدة نحو النبوغ والإبداع.

من الغريب أن تسود قيم التلقين التقليدية أساليبنا التعليمية في المدارس الحكومية، فالمسألة ليست مجرد إفراغ ما في جعبتنا من مناهج ومقررات، بل إننا مطالبون بالتيقن من بلوغ الطلبة مستوى الفهم التام للمقررات والمناهج الدراسية، وحثّهم على الاعتماد على قدراتهم وإمكاناتهم الذاتية منذ البداية، ودفعهم لفتح آفاق البحث والتطوير، وجعل العلم والتعلّم جزءا أصيلا من حياتهم، وخلقا دائما لصيقا بحركاتهم وسكناتهم، وسلوكا محببا إليهم على الدوام.

عندما يتحول العلم والتعليم إلى متعة تشدها الحوافز الذاتية بعيدا عن وسائل الجبر والإكراه فإننا نكون –حينذاك- قد أرسينا القواعد الصلبة التي ينبني عليها مشروع النهضة، واقتربنا أكثر فأكثر من تحقيق طموحاتنا وأهدافنا الوطنية.

من المؤسف أن تجد طالب المرحلة الابتدائية يتلقى معلومات نظرية بحتة معزولة عن سياقها ومعناها الدلالي في بعض المقررات لأن المدرسة لا يتوفر لها أجهزة حاسوب وعارض ضوئي لتيسير المواد والمقررات أمام أفهام الطلبة رغم أن ذلك أمر في متناول القدرة الرسمية.

حين يتحدث المدرس عن القشرة الأرضية كمعلومة مجردة –على سبيل المثال- فإن ذهن الطالب في المرحلة الابتدائية قد لا يستوعب حقيقتها بعكس لو كان السرد المعلوماتي مقترنا بصور أو شرائط على أقراص مدمجة.

وفي كل الأحوال ينبغي أن يحتل الموهوبون مكانة خاصة واهتماما لائقا داخل المدارس، ولا بأس من بحث إمكانية تخصيص فصول خاصة بهم، مع ضرورة العمل على تطوير قدرات ومهارات الكادر التعليمي عبر دورات مكثفة، وبذل كل ما من شأنه كسر حاجز الجمود الراهن، والانتقال إلى آفاق أكثر رحابة واتساعا.

هناك حاجة ماسة لتطوير أساليبنا التربوية داخل المدارس الحكومية، وولوج مساحات العمل غير التقليدية شيئا فشيئا، فالتطور التكنولوجي الذي يعيشه العالم حاليا ينبغي أن ينعكس –تلقائيا- على سياساتنا وأساليبنا التعليمية.

البث المباشر