بينما العرب مشغولون بهمومهم ومشاكلهم، كان القسم الأفريقي بوزارة الخارجية الإسرائيلية بتل أبيب يشغي بالحراك. إسرائيل تعتبر أنها تحقق إنجازات هائلة في القارة السوداء، فهي اليوم لديها تمثيل دبلوماسي في أربعين دولة فيها، وهذا أعلى مما كان قبل حرب 1967 التي شهدت بعدها الانتكاسة في العلاقات بين أفريقيا وإسرائيل.
واللافت أن من ضمن هذا الوجود الدبلوماسي الكثيف خمس سفارات في شرق أفريقيا، وهي منطقة كانت عصية جدا على إسرائيل، ومن ضمن هذه المنطقة الجمهورية الحديثة جنوب السودان التي عينت إسرائيل فيها دبلوماسيا مخضرما ومهما هو حاييم كورن، في إشارة إلى أهمية هذه الدولة في خطط الدبلوماسية الإسرائيلية. وأرسلت إسرائيل كذلك دبلوماسية شابة متخصصة في الشؤون الأفريقية اسمها شارون بار لي، سفيرة لها في أكرا عاصمة غانا، وهي المرة الأولى التي توجد فيها إسرائيل دبلوماسيا في غانا بعد غياب لمدة 30 عاما، والأهم أن هناك سفيرة ستعين لدى إثيوبيا يهودية من أصول إثيوبية هي بيلانيش زيفاديا، وقد يساعد هذا التعيين في تجديد طلب إسرائيل بقبولها كعضو مراقب في منظمة الاتحاد الأفريقي.
وزير الخارجية الإسرائيلي المعروف بتطرفه الحاد ولسانه السليط زار إثيوبيا وكينيا ونيجيريا وغانا وأوغندا في عام 2009، وهناك خطة جديدة لأن يزور أفريقيا هذا العام، وستليها رحلة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. لغة الأرقام لا تكذب أبدا، إسرائيل تصدر أسلحة لأفريقيا (جنوب خط الصحراء) بأكثر من 1.6 مليار دولار منذ عام 2006، وفي عام 2011 كانت صادرات إسرائيل لجنوب أفريقيا 416 مليون دولار، منها 328 مليونا مواد مصنعة، وفي عام 2011 كان هناك 16 مشروعا تنمويا في أفريقيا تمول تمويلا كاملا من قبل الحكومة الإسرائيلية.
هناك طفرة هائلة في التبادل التجاري بين إسرائيل والقارة السوداء، وتحديدا في مجالات الزراعة والأحجار الكريمة وتقنية المعلومات، بالإضافة إلى صفقات «ضبابية» وغامضة تحت بند الاتفاقيات الأمنية. ويقود هذه الطفرة رجال أعمال وعسكريون في الجيش والاستخبارات الإسرائيلية، أهمهم وأبرزهم ليف لفييف رجل الأعمال الإسرائيلي، المولود أصلا في أوزبكستان والمعروف باسمه في مجال تجارة الألماس، وله باع مهم في تجارة الألماس والمناجم في أفريقيا، ووجوده قوي في القارة. وهناك أيضا بيني ستاينمتز الذي يعمل بشكل رئيسي في مجال الأحجار الكريمة والألماس في جنوب أفريقيا وأنجولا والكونغو، ويسعى الآن بقوة للدخول في مجال توفير الطاقة الكهربائية في السوق النيجيرية الكبيرة. وهناك كذلك دان جيرتلر، ملك الواسطة في الكونغو، والذي أصبح المسيطر الأهم على صناعة الألماس في هذه الدولة، ويوسع نشاطه الآن ليشمل أيضا النحاس، وهناك أيضا أركادي غايداماك المهاجر الروسي لإسرائيل والذي بنى إمبراطورية إعلامية مهمة ويركز نشاطه في أفريقيا على الألماس والسلاح، ومركزه الأقوى في القارة هو أنجولا.
وهؤلاء ما هم إلا نماذج فقط لسلطة إسرائيل المتنامية اقتصاديا وسياسيا في أفريقيا. وتقوم إسرائيل بتقديم التمويل وكذلك التقنية المطلوبة لإنشاء سدود جديدة في أوغندا وإثيوبيا ستؤثر حتما على موقف مصر التفاوضي بشأن مياه النيل مستقبلا وتضعف «نظريا» من قيادتها التاريخية لدول حوض النيل.
إسرائيل قدمت مجموعة من الصفقات العسكرية «الغامضة» لدول مثل إثيوبيا ونيجيريا وأوغندا، شملت طائرات من دون طيار لتنفيذ عمليات عسكرية ضد المتمردين، وهي جملة غامضة ومطاطة، لأن هناك حكومات مثل حكومة السودان اتهمت الموساد الإسرائيلي بالقيام بتنفيذ عمليات اغتيال بطائرات من دون طيار داخل الأراضي السودانية من قبل.
اختراق إسرائيل المهول للقارة الأفريقية وتحقيقها لنجاحات كبيرة هو شهادة إخفاق للدبلوماسية العربية التي كانت دائما ما تتعاون مع أفريقيا بصورة عنصرية وبنظرة دونية، وها هي اليوم تدفع الثمن ببطء. أفريقيا هي الحلبة الموعودة الأخيرة، ولا يمكن إهمالها كما هو الحال، فهناك جولات تقوم بها إسرائيل للدخول إلى البوابة الخلفية للعالم العربي وإيذاء أهله من هناك، وهو ما يتم. الحذر مطلوب جدا.