من يدعي أن الرياضة ليست مرتبطة بالسياسة فهو مخطئ أو كاذب.. مخطئ لو قال الكلام بحسن نية، وكاذب إن كان يعرف الحقيقة وهي أنه من المستحيل أن تفصل بين الاثنتين، والأمثلة بالآلاف، ولهذا قد يلجأ بعض الساسة لتسييس الرياضة كما حدث بين الصين وأميركا ببدء التطبيع من خلال لعبة البينغ بونغ أو كرة الطاولة، ثم كرة السلة بين الاتحاد السوفياتي وأميركا أيام الحرب الباردة، والبيسبول مع كوبا، وكرة القدم والمصارعة مع إيران.. والأكيد أنهم حاولوا أن «يدحشوا» إسرائيل في أنوفنا، لكننا تمكنا من طردها خارج القارة الآسيوية لتلعب مع من منحها الحق في الوجود، أي أمها أوروبا..
ولم يكن خافيا دخول السياسة كلاسيكو إسبانيا بين الريال وبرشلونة، بعد الحديث عن دعوة برشلونة للجندي الإسرائيلي (فرنسي الجنسية أيضا) جلعاد شاليط - الذي كان هو وزملاؤه (وما زالوا) يقتلون أطفال ونساء وعجائز وشباب فلسطين بشطريها في الضفة وغزة - والدفاع المستميت من بعض مشجعيه العرب وكأنه يمثل هويتهم الوطنية، فقالوا إن شاليط كان يشجع برشلونة، وهو طلب مقعدا في الكلاسيكو فوافقت الإدارة، وهذا كل ما في الأمر الذي تم تبسيطه لدرجة قبيحة من استغباء الآخرين فقط، لأن أبصارهم عميت عن الحقيقة من شدة تعلقهم بهذا النادي، لا بل ووصل الأمر إلى اعتبار أن الأمر عادي أن يحضر إسرائيليون لمثل هذه المباريات جنبا إلى جنب مع العرب، وأننا نعيش في عقلية عتيقة، وكأن العقلية الحديثة تقول إن إسرائيل باتت دولة شقيقة يجب أن نطبل ونزمر لها، وهو ما يفعله البعض ليل نهار من أجل محو مجرد فكرة أنها تغتصب أرضنا وتشرد ستة ملايين فلسطيني وتستعبد مثلهم.
وسمعنا عن دعوة برشلونة للسجين الفلسطيني الأشهر، لاعب الكرة السابق، محمود السرسك، الذي تم تحريره من خلال صموده وإضرابه عن الطعام، وأيضا دعوة رئيس الاتحاد الفلسطيني اللواء جبريل الرجوب، والسفير الفلسطيني لدى إسبانيا، لحضور الكلاسيكو في لفتة ترضية أو موازنة.. أي ببساطة متناهية للمساواة بين القاتل والضحية.. بين الجلاد الذي يغتصب العرض والأرض ممثلا بجلعاد شاليط، والإنسان الذي مورس عليه أقسى وأبشع أنواع التعذيب من قبل أبناء الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط.
مؤلم ومؤسف أن تجد شبانا عربا يدافعون عن برشلونة حتى النهاية، وكأنه ناد يمثل وطنهم، متناسين أننا لو كرمنا مثلا من يشتم إسرائيل علانية، أو من «خمش» أو جرح إسرائيليا ولو من دون قصد، لكنا تعرضنا لهجمة دولية ممنهجة ومنظمة تصفنا بالعنصرية ومعاداة السامية والهمجية والبربرية، بينما يحتفل العالم كله بسلامة جندي يحمل السلاح في أرض ليست أرضه، ويضطهد أناسا ليسوا من شعبه، ويوجد أساسا في مكان لا ينتمي إليه ولا يحق له أن يكون فيه، ويحتفلون بسلامته وخلاصه وهو الذي تمت مبادلته بـ447 رجلا وامرأة لم يتحرك رمش واحد من عيون هؤلاء لمعاناتهم وآلامهم وظروف سجنهم اللاإنسانية فقط لأنهم أصحاب حق قد يموت حتى لو وراءه من يطالب به!